للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أمثلة التعزير للمصلحة العامة منع المجنون من الاتصال بالناس إذا كان في اتصاله بهم ضرر عليهم، وحبس من شهر بإيذاء الناس ولو لم يقم عليه دليل أنه أتى فعلاً معيناً.

ونظرية التعزير للمصلحة العامة تسمح باتخاذ أي إجراء، لحماية أمن الجماعة وصيانة نظامها من الأشخاص المشبوهين والخطرين، ومعتادي الإجرام، ودعاة الانقلابات والفتن، والنظرية بعد ذلك تقوم على قواعد الشريعة العامة التي تقضي بأن الضرر الخاص يتحمل لدفع الضرر العام وأن الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف.

١٠٧ - سلطة القاضي في التعزير للمصلحة العامة ليست تحكمية: قلنا: إن الحالات التي يُعزَّر فيها على فعل لم ينص على تحريمه بذاته من قبل لا يمكن حصرها، وإن القاضي ليس له أن يحكم بالعقوبة في الحالة التي تعرض عليه إلا إذا كان فيها ما يمس النظام العام أو صالح الجماعة، فإن لم تكن كذلك قضى بالبراءة، وإذا عاقب فليس له أن يعاقب إلا بإحدى عقوبات التعزير، فسلطة القاضي إذن ليست مطلقة ولا تحكمية، وإنما هي مقيدة بقيود بينتها الشريعة وأوجبت توفرها.

وسلطة القاضي هنا لا تزيد شيئاً عن سلطته في جرائم التعزير المنصوص على تحريمها، وكل ما يمكن قوله عن هذه السلطة أنها سلطة واسعة أعطيت للقاضي ليحسن اختيار العقوبة وتقدير ظروف الجريمة والمجرم، ولم تعط إليه ليخلق الجرائم وينشئ العقوبات، ومهما وسعت الشريعة من سلطة القاضي فإنها لم تخرج عن قاعدتها العامة التي تقضي بأن لا جريمة ولا عقوبة بلا نص، بل ظلت الشريعة متمسكة بهذه القاعدة، وإن طبقتها على وجه خاص في حالة التعزير للمصلحة العامة.

ويخطئ خطأ جسيماً من يظن أن القاضي له أن يعتبر الفعل جريمة إذا كان ماساً بالنظام العام أو صالح الجماعة؛ لأن الشريعة تشترط للعقاب أن تكون الحالة

<<  <  ج: ص:  >  >>