كما أنها تمنع إيقاف تنفيذ العقوبة، والغالب أن يكون ذلك في الجرائم الخطيرة.
وظاهر من هذا أن سلطة القاضي في القوانين الوضعية أضيق بكثير من سلطة القاضي في الشريعة، فالقاضي الذي يطبق القانون الوضعي مقيد بتطبيق العقوبة التي حددها القانون إذا كانت عقوبة واحدة، ولا يستطيع أن يختار إلا بين عقوبتين إذا أعطي حق الاختيار، وليس له في كثير من الأحوال أن ينزل بالعقوبة عن حد معين، وليس له أن يوقف التنفيذ في كثير من الجرائم، وهو بالتالي لا يملك السلطان الكافي الذي يساعده على معالجة المجرم والإجرام علاجاً يتفق مع المصلحة العامة.
وقد رأى الكثير من كبار العلماء أن علاج هذه الحالة لا يتأتى إلا إذا أمكن القاضي من اختيار العقوبة نوعاً ومقداراً، وهذا يتأتى إلا إذا كان له أن يطبق مجموعة من العقوبات، فإذا أخذ بهذا الرأي الذي ينادي به كبار العلماء اليوم فإن القانون يصبح مثل الشريعة فيما يتعلق بجرائم التعازير وعقوباتها.
وظاهر كذلك من منع القاضي من إيقاف التنفيذ في الجرائم الخطيرة، ومن عدم السماح له بأن ينزل بالعقوبة عن حد معين، ومن تحديد عقوبة أو عقوبتين لكل جريمة، ظاهر من هذا أن القوانين تأخذ مبدأ الشريعة في جرائم الحدود والقصاص ولكن إلى حد محدود.
وليس يهمنا أن تكون القوانين الوضعية مخالفة للشريعة الآن في بعض الحالات، فقد كانت تخالفها في كل شئ حتى أواخر القرن الثامن عشر، وإنما يهمنا أن نعلم أن القانون الوضعي بدأ بعد ذلك يسير وراء الشريعة، ويأخذ بمبادئها، ويطبق نظرياتها، وأن ما يطلبه علماء القانون أن يتحقق في القانون هو نفس ما تأخذ به الشريعة، وما تقوم عليه، وإن في ذلك لذكرى للذاكرين.