العقول، والبعد عن الكمال الإنساني. ومن ثم كانت الأحكام التي شرعت لحفظ الضروريات أحق الأحكام بالمراعاة، ثم تليها التي شرعت لتوفير الحاجيات، وهكذا.
ومن المقرر أنه لا يراعى حكم تحسيني إذا كان في مراعاته إخلال بحكم حاجي، ولا يراعى حكم حاجي إذا كان في مراعاته إخلال بحكم ضروري، ولذا أبيح كشف العورة إذا أقتضى هذا علاج أو جراحة؛ لأن ستر العورة أمر تحسيني والعلاج أمر ضروري، وأبيح تناول النجس للتداوي وفي حالة الضرورة؛ لأن المنع من النجاسات تحسيني والتداوي ودفع الضرورة أمر ضروري.
وتجب الفرائض والواجبات على المكلفين ولو شق عليهم ذلك، لأن الفرائض والواجبات من الضروريات، ورفع المشقة والحرج أمر تحسيني، فلا يراعى التحسيني إذا مس الضروري.
والأحكام الضرورية لا يجوز الإخلال بها إلا إذا كانت مراعاتها تؤدي إلى الإخلال بضروري أكثر أهمية، فالجهاد واجب لحفظ الدين؛ لأن حفظ الدين أهم من حفظ النفس. وشرب الخمر يباح لمن أكره على شربها أو اضطر إليها؛ لأن حفظ النفس أهم من حفظ العقل. وإذا كانت وقاية النفس من الهلاك في إتلاف مال الغير، كان للإنسان أن يقي نفسه من الهلاك ويتلف مال غيره؛ لأن حفظ النفس أهم من حفظ المال.
١٧٥ - حقوق الجماعة وحقوق الأفراد: أفعال المكلفين سواء كانت جرائم أو لم تكن، بعضها حق خالص لله، أو حق الله غالب فيه. وبعضها حق خالص للمكلف، أو حق المكلف غالب فيه.
وحين يعبر الفقهاء بما هو حق لله يقصدون ما هو حق للجماعة، وما قصد به تحقيق مصلحتها وحفظ النظام العام فيها، وقد جعلوه حقاً لله؛ لأنه لم يقصد به نفع فرد معين، وليس للأفراد حكاماً أو محكومين حق إسقاطه أو العفو عنه أو إهمال إقامته.