للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو العرف، أو المصالح المرسلة، وهذا ممكن في المسائل المدنية والشخصية، وفي الإجراءات الجنائية، ولكنه غير ممكن في تقرير الجرائم والعقوبات؛ لأن الجرائم والعقوبات لابد فيها من النص الصريح، ولا يؤخذ فيها بالقياس أو غيره كما ذكرنا قبلاً.

١٧٧ - كلمة ختامية عن قواعد التفسير: هذه هي القواعد العامة اللغوية والتشريعية التي وضعها الفقهاء للاهتداء بها في تفسير النصوص، على القاضي أن يستعين بها في تفهم النصوص، ومعرفة مراميها، وما يدخل تحتها، كما أن هذه القواعد تعينه على معرفة النص الواجب التطبيق، ومدى سلطته في تفسير النص أو إعماله أو إبطاله. وإذا كان للقاضي المدني أن يطبق هذه القواعد بتوسع، وأن يجعل للقياس والعرف والعدالة وغير ذلك من الاعتبارات مكاناً عند تفسير النص وتطبيقه، إلا أن القاضي الجنائي مقيد بأن يحصر اجتهاده في تفسير النص وتطبيقه على الواقعة المعروضة عليه، فليس له أن يخلق جريمة أو عقوبة من طريق القياس أو العرف أو الاستحسان، ولو كانت الواقعة المعروضة عليه مما ينفر منها الخلق الفاضل.

وليس للقاضي الجنائي أن يخالف النص الصريح مهما كانت الظروف والاعتبارات، وعليه أن يراعى في كل الأحوال مبدأين شرعيين أساسيين: وأولهما قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "ادراءوا الحدود بالشبهات"، وثانيهما: قوله: "إن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة"، وسنتكلم على هذين المبدأين فيما يلي:

١٧٨ - المبدأ الأول: درء الحدود بالشبهات: القاعدة العامة في الشريعة أن الحدود تدرأ بالشبهات، والحدود هي العقوبات المقدرة، ويدخل تحت الحدود العقوبات المقررة لجرائم الحدود، والعقوبات المقررة لجرائم القصاص والدية، أما العقوبات المقررة لجرائم التعازير فلا تعتبر حدوداً؛ لأنها عقوبات غير مقدرة (١) .


(١) راجع الفقرات ٥١، ١٠٣، ٤٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>