والأصل في هذه القاعدة قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "ادرءوا الحدود بالشبهات". فعلى هذا الحديث الذي تلقته الأمة بالقبول، وأجمع عليه فقهاء الأمصار قامت القاعدة. وقد عمل الصحابة بها بعد وفاة الرسول، فروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: لأن أعطل الحدود بالشبهات أحب إلى من أن أقيمها بالشبهات. وروي عن معاذ وعبد الله بن مسعود وعقبه بن عامر أنهم قالوا: إذا اشتبه عليك الحد فادرأه.
وليس في الفقهاء من ينكر قاعدة درء الحدود بالشبهات إلا الظاهريون، فإنهم يرون أن الحد لا يحل درؤه بالشبهة، ولا يسلمون بصحة ما روي عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة (١) .
والآثار الكثيرة المروية عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة تؤيد صحة هذه القاعدة، من ذلك أنه لما جاء ماعز معترفاً بالزنا للرسول قال عليه السلام:"لعلك قبلت، لعلك لمست، لعلك غمزت" كل ذلك يلقنه أن يقول نعم بعد إقراره بالزنا. وجئ له بسارق معترف بالسرقة فقال له:"أسرقت؟ ما أخاله سرق". ولما جاءته الغامدية مقرة بالزنا، قال لها نحواً من ذلك. فهذه جرائم من جرائم الحدود كان الدليل الوحيد فيها على الجريمة هو الإقرار، وكان الرسول يلقن المقر أن يعدل عن إقراره، ولو لم يكن للعدول أثره في درء الحد لما أوحى به الرسول للمقر. أما كيف يدرأ العدول الحد فذلك أن الإقرار هو الدليل الوحيد في قضية، والعدول عن الإقرار شبهة في عدم صحة الإقرار، والحدود تدرأ بالشبهات.
ولما جاءت شراحة الهمدانية معترفة بالزنا لعلي رضي الله عنه قال لها: لعله وقع عليك وأنت نائمة؟ لعله استكرهك؟ لعل مولاك زوجك منه وأنت تكتمينه؟ وما كان على يقصد من هذه الأسئلة إلا ما قصده الرسول عليه السلام.
ومن أجل ذلك يرى بعض الفقهاء أنه يستحب للقاضي أن يعرض للمقر