للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في هذه الشبهة أن تكون ناشئة عن حكم من أحكام الشريعة، فالسرقة محرمة بنص القرآن حيث قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أنت ومالك لأبيك"، فالنص الثاني يقوم بذاته شبهة على تطبيق حكم النص الأول الذي يحرم السرقة ويعاقب عليها بالقطع؛ لأن النص الثاني يجعل الولد وماله ملكاً للأب، فإذا سرق الأب مال ولده فقد سرق ماله حكماً، فالشبهة في المحل أو الشبهة الحكمية تتحقق بقيام دليل شرعي ينفي الحرمة ولا عبرة بظن الفاعل، فيستوي أن يعتقد الفاعل أنه يسرق، أو يعتقد أنه لا يسرق؛ لأن الحرمة مشكوك فيها بقيام دليل الحد (١) .

ويضيف أبو حنيفة نوعاً ثالثاً من الشبهات، وهو شبهة العقد، فعنده أن الشبهة تثبت بالعقد ولو كان العقد متفقاً على تحريمه وكان الجاني عالماً بالتحريم. ولكن أصحابه وباقي الأئمة الأربعة يخالفونه في هذا، ولا يرون العقد شبهة إلا إذا كان الجاني يظن الحل ويعتقده.

وعلى هذا تكون الشبهة على رأي أبي حنيفة على ثلاثة أنواع: شبهة الفعل، وشبهة المحل، وشبهة العقد.

١٨١ - ما يترتب على درء الحدود بالشبهات: تختلف النتائج التي تترتب على الأخذ بقاعدة درء الحدود بالشبهات، ففي بعض الأحيان يؤدي تطبيق القاعدة إلى درء عقوبة الحد وتبرئة المتهم من الجريمة المنسوبة إليه، وفي بعض الأحيان يؤدي تطبيق القاعدة إلى درء عقوبة الحد وإحلال عقوبة تعزيرية محلها.

ويبرأ المتهم من الجناية المنسوبة إليه في ثلاث حالات:

الأولى: إذا كانت الشبهة قائمة في ركن من أركان الجريمة؛ فمن زفت إليه غير زوجته، فأتاها على اعتقاد أنها زوجته، لا يعاقب على الزنا بعقوبة الحد، ولا بعقوبة تعزيرية،


(١) شرح فتح القدير ج٤ ص١٤١، ١٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>