للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك قسم الله طريق الحكم بين الناس إلى طريقين لا ثالث لهما: أولهما: الحق، وهو الوحي الذي أنزل على رسله، وثانيهما: الهوى، وهو كل ما خالف الوحي، فقال جل شأنه: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: ٢٦] .

وقال تعالى موجهاً الخطاب إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية: ١٨، ١٩] .

فقسم الأمر بين الشريعة التي جعل رسوله عليها، وأوحى إليه العمل بها، وأمر الأمة الإسلامية باتباعها، وبين اتباع أهواء الذين لا يعلمون، وأمر بالأول ونهى عن الثاني.

وقال جل شأنه: {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: ٣] فأمر باتباع ما أنزل منه خاصة، ونهى عن اتباع ما يخالفه، وبين أن من اتبع غير ما أنزل من عند الله فقد اتبع أولياء من دون الله (١) .

وهكذا قطعت نصوص القرآن في تحريم كل ما يخالف نصوص الشريعة صراحة أو ضمناً، وكل ما يخالف مبادئها العامة أو روحها التشريعية، ونهت نهياً جازماً عن العمل بغير الشريعة، واعتبرت العامل بغير الشريعة متبعاً هواه منقاداً إلى الضلال، مضلاً لغيره ظالماً لنفسه ولغيره، كافراً بما أنزل الله، متخذاً لنفسه أولياء من دون الله.

٢ - إن الله لم يجعل لمؤمن أن يرضى بغير حكم الله، أو يتحاكم إلى غير ما أنزل الله: بل لقد أمر الله أن يكفر بكل حكم غير حكمه، واعتبر الرضا بغير حكمه ضلالاً بعيداً، واتباعاً للشيطان، وذلك قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ


(١) أعلام الموقعين ج١ ص٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>