الشريعة نصت عليها وأوجبت عقاب مرتكبيها؛ ولأن الشريعة لا تبيح بحال لولي الأمر أن يعطل نصوصها، فإذا عطلها لم يكن للقضاء أن يسايره، وكان على القاضي أن يطبق نصوص الشريعة؛ ويحكم بالعقوبة التي قررتها الشريعة ما دام مختصاً بتوقيع مثل هذه العقوبة أو بنظر مثل الجريمة المعطلة.
ويعتبر القاضي مختصاً بنظر الجريمة طبقاً لما نصت عليه الشريعة إذا كان القانون قد نص عليها على وجه يخالف أحكام الشريعة. والعلة في اختصاص القاضي هنا هي نفس العلة في اختصاصه بالجرائم التي أهملها القانون ولم ينص عليها.
وإذا كانت الجريمة مما نص عليه القانون دون الشريعة؛ فالقاضي يختص بنظرها إذا لم يكن هناك خروج على نصوص الشريعة أو مبادئها العامة أو روحها التشريعية. فإذا تحقق هذا الخروج كان القاضي غير مختص بنظر الجريمة؛ لأنه ليس له أن ينظر إلا ما يتفق مع الشريعة، أو كان عليه أن يقضي بالبراءة لبطلان النص الذي حرم الفعل.
وإذا كان من واجب القاضي شرعاً أن يعاقب على كل جريمة تعزيرية نصت عليها الشريعة ولم ينص عليها القانون، فما هي العقوبة التي يجب على القاضي أن يطبقها في هذه الحالة؟ وهل يعاقب بإحدى العقوبات المقررة في قانون العقوبات، أم يعاقب بإحدى عقوبات التعزير التي قررتها الشريعة؟
وجواب هذا السؤال هو أن العقاب يجب أن يكون بإحدى العقوبات التعزيرية التي قررتها الشريعة؛ وأنه لا يجوز للقاضي أن يعاقب على جريمة لم ينص عليها قانون العقوبات بإحدى العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون؛ لأن واضع هذا القانون جعل لكل جريمة نص عليها عقوبة معينة، ولكل عقوبة حداً بحيث تختلف العقوبات باختلاف الجرائم، ولم يضع عقوبات عامة لغير الجرائم التي نص عليها، فلا يمكن إذن أن تطبق نصوص قانون العقوبات على ما لم يفكر فيه واضع القانون أو يدخله في حسابه، وإنما يعاقب على هذه الجرائم بإحدى عقوبات التعزير التي قررتها الشريعة، أو بأكثر من عقوبة واحدة طبقاً لما يراه القاضي