للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خيراً من العقوبة، فإذا اقتضت المصلحة العامة أن يعفو عن جريمة بعد وقوعها أو عن عقوبة بعد الحكم بها، كان له أن يعفو. وأساس نظرية هؤلاء الفقهاء أن جرائم التعازير حرمت وفرضت عليها العقوبات لمصلحة الجماعة، ولصيانة النظام العام الذي تقوم عليه الجماهير وهو الإسلام، ولما كان ولي الأمر هو ممثل الجماعة الذي أقامته لحفظ مصالحها وصيانة نظامها، فقد وجب عليه أن يعاقب على جرائم التعازير، وأن يهمل إقامة هذه العقوبات إلا إذا اقتضى صالح الجماعة أو نظامها العام العفو عن الجريمة أو العقوبة، ففي هذه الحالة يسقط عن عاتق ولي الأمر واجب إقامة العقوبة (١) .

ويرى الشافعي أن إقامة عقوبات التعازير حق لولي الأمر، وليست واجباً عليه، وأساس هذا الرأي أن لولي الأمر أن يعفو عن الجريمة، وأن يعفو عن العقوبة، فله إذن أن يعاقب وأن لا يعاقب، وكل ما يكون للإنسان أن يفعله أو يتركه فهو حق وليس واجباً عليه (٢) .

ويلاحظ أن التسليم بنظرية الشافعي لا يؤدي بأي حال إلى تعطيل النصوص التي جاءت بجرائم التعازير؛ لأن الشافعي لم يقل بأن لولي الأمر أن يعطل نصوص الشريعة أو أن يبيح ما حرمته الشريعة، إنما قال إن لولي الأمر أن يعاقب أو أن يعفو، فالجريمة لا تزال في نظرية الشافعي جريمة، وما حرمته الشريعة يحرم إتيانه، وإنما لولي الأمر بعد وقوع الجريمة أن يعاقب أو يعفو، واستعمال ولي الأمر لحقه في العقوبة أو العفو مقيد بصالح الجماعة ونظامها العام، الذي يقتضي العفو عن العقوبة تارة، ويقتضي تنفيذ العقوبة تارات، وليس لولي الأمر أن لا يستجيب لمقتضيات المصلحة العامة أو النظام العام؛ لأنه لم


(١) حاشية البناني وشرح الزرقاني ج٨ ص١١٥- ١١٦، بدائع الصنائع ج٧ ص٦٣- ٦٤، المغني ج١٠ ص٣٤٨.
(٢) أسنى المطالب ج٤ ص١٦٢- ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>