التي فرضتها الشريعة لجرائم التعازير فهي وإن كانت لازمة وواجبة إلا أن الشريعة أعطت لولي الأمر فيها أن يعفو عن العقوبة إذا كان العفو يحقق مصلحة عامة، وأن يعفو عن الجريمة إذا كان العفو يحقق هذه المصلحة، وله أن يقيد كل جريمة تعزيرية بعقوبة معينة من عقوبات التعازير أو بأكثر من عقوبة إذا اقتضت ذلك مصلحة عامة، فحق ولي الأمر في الجرائم والعقوبات التي فرضتها الشريعة قاصر على تنظيم عقوبات التعزير، وحق العفو عنها وعن الجريمة التعزيرية.
ولقد بحث الفقهاء هذه المسألة فخرجوا من بحثها مجمعين على أن إقامة عقوبات الحدود واجبة على ولي الأمر، فإذا أهمل إقامتها كان من واجب كل فرد أن يقيمها دون أن يعتبر مرتكباً لجريمة، فإذا أقامها سقط الواجب بإقامتها عن غيره، ومعنى هذا أن الفقهاء يعتبرون إقامة الحدود من الفروض التي تلزم جميع الأفراد حاكمين ومحكومين، ولا تسقط عنهم إلا إذا أقيمت، ولا يجوز فيها عفو ولا إباحة.
وأجمع الفقهاء أيضاً على أن العقوبات المقررة لجرائم القصاص والدية حكمها حكم الحدود، فهي واجبة الإقامة ما لم يعفو المجني عليه أو وليه عن العقوبة، فإذا أهمل ولي الأمر إقامتها كان للمجني عليه أن يقتص لنفسه، وكان لولي دم المجني عليه أن يقتص من الجاني دون أن يعتبر القصاص في هذه الحالة جريمة (١) .
واتفق الفقهاء على أن ولي الأمر ليس له أن يحل ما حرم الله، ولا أن يبيح ما أمر بمنعه، أياً كان نوع العقوبة المقررة على الفعل المحرم، ولكنهم اختلفوا على إقامة عقوبات التعازير، فرأى مالك وأبو حنيفة وأحمد أن إقامة عقوبات التعازير واجب على ولي الأمر ليس له أن يتركه إلا إذا كان العفو
(١) الإقناع ج٤ ص٢٤٤، الأم ج٦ ص١٧١، حاشية البناني ج٨ ص١١٨، شرح فتح القدير ج٤ ص١١٢- ١١٣، ١٦٠- ١٦١.