ولكنها تركت لولي الأمر أن يعفو إذا رأى العفو خيراً من العقوبة، وأن يعاقب إذا رأى العقوبة خيراً من العفو، بل تركت له أن يعفو عن الجريمة، وأن يعفو عن العقوبة كلها أو بعضها، فإذا عفا بعد وقوع الجريمة أو عفا بعد الحكم بالعقوبة وكانت المصلحة العامة تبرر هذا العفو فهو صحيح، أما العفو عن الجرائم قبل وقوعها فهو إباحة لها وليس عفواً عنها، ولا يملك ولي الأمر أن يحل ما حرمه الله، وأن يبيح ما لم يبحه الله، فإذا فعل فعمله باطل ولا أثر له.
والعلة في منع ولي الأمر من إباحة ما حرمته نصوص الشريعة هي أن ولي الأمر لو أعطي له هذا الحق لكانت نصوص الشريعة عبثاً؛ لأن ولي الأمر يستطيع أن يعطلها في أي وقت شاء بما له من حق التحليل والتحريم.
وعلى هذا لا يصح القول بأن الجرائم التي نصت عليها الشريعة ولم ينص عليها القانون تعتبر مباحة؛ لأن ولي الأمر ليس من حقه أن يبيح ما حرمته الشريعة ولا يصح هذا القول أيضاً فيما لا يختص بالجرائم التي نص عليها القانون مخالفاً للشريعة، كذلك ليس لأولي الأمر إباحة الجرائم التي نصت عليها الشريعة ونص عليها القانون، ولكن لأولي الأمر أن يبيحوا ما حرموه هم ولم تحرمه الشريعة.
ونستطيع بعد بيان حق ولي الأمر في العفو أن نقول: إن الجرائم التي يحرمها ولي الأمر والعقوبات التي يفرضها على هذه الجرائم هي من حق ولي الأمر، فله أن يحرم اليوم، وله أن يبيح في الغد ما حرمه، وأن يعفو عن الجريمة كما يعفو عن العقوبة، ولا قيد على ولي الأمر في استعمال هذا الحق إلا أن يكون تصرفه متفقاً مع المصلحة العامة وبغرض تحقيق هذه المصلحة، أما الجرائم التي حرمتها الشريعة والعقوبات التي فرضتها فالأمر فيها جد مختلف، فكل فعل حرمه القرآن أو السنة فهو محرم ليس لكائن من كان أن يحله، وكل عقوبة فرضتها الشريعة في جرائم الحدود أو جرائم القصاص والدية فهي عقوبة لازمة واجبة ليس لولي الأمر أن يهملها أو يعفو عنها.