للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٠٣ - الحق الثالث: حق العفو (١) : من المسلم به في الشريعة أن لولي الأمر حق العفو في جرائم التعازير دون غيرها من الجرائم، فله أن يعفو عن الجريمة، وله أن يعفو عن العقوبة كلها أو بعضها، وله حق العفو سواء في الجرائم التعزير التي نصت عليها الشريعة، أو في الجرائم التي نص عليها هو.

وحق ولي الأمر في العفو مقيد بأن لا يكون مخالفاً لنصوص الشريعة، أو مبادئها العامة وروحها التشريعية، كما أنه مقيد بأن يقصد به تحقيق مصلحة عامة أو دفع مفسدة.

وإذا كان من حق ولي الأمر أن يعفو عن الجريمة، وأن يعفو عن العقوبة، فإن حقه في العفو لا يتولد سببه، فلا يستطيع أن يعفو عن الجريمة إلا إذا وجدت الجريمة، ولا يستطيع أن يعفو عن العقوبة إلا إذا حكم بالعقوبة، فليس لولي الأمر إذن أن يعفو مقدماً عن الجرائم قبل وقوعها، أو عن العقوبات قبل الحكم بها؛ لأن ذلك يعتبر إباحة للأفعال المحرمة لا عفواً عن الجريمة أو العقوبة.

ولا شك أن لولي الأمر أن يبيح الأفعال التي حرمها ابتداء إذا اقتضت ذلك مصلحة عامة، والعلة في ذلك أن الشريعة أعطيه حق التحريم إذا اقتضت التحريم مصلحة عامة، وإعطاء حق التحريم يقتضي إعطاء حق الإباحة إذا اقتضته مصلحة عامة أيضاً، فمن استطاع أن يبيح، ما دامت المصلحة العامة هي التي استوجبت التحريم أو الإباحة.

أما الأفعال التي حرمتها الشريعة ابتداء فليس لولي الأمر أن يبيحها إطلاقاً؛ لأنه ليس هو الذي حرمها حتى يكون له يبيحها؛ ولأن الشريعة لم تجعل له في هذه الأفعال إلا حق العفو عن الجريمة أو العقوبة، فقد نصت الشريعة على المعاصي التي رأت تحريمها بصفة دائمة وحددتها وأمرت بالعقاب عليها،


(١) راجع الفقرات من٥٣٢ إلى ٥٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>