وفي الزنا لا خلاف على عقاب الزاني غير المحصن، فالمسلم غير المحصن والذمي غير المحصن عقوبتهما واحدة وهي الجلد، ولكن الفقهاء اختلفوا في الزاني المحصن، فرأى أبو حنيفة أن الذمي لا يمكن أن يعاقب بالرجم وهو العقوبة المقررة للزاني المحصن، وحجته أم من شروط الإحصان الإسلام فلا يمكن اعتبار الذمي محصناً؛ ولذلك فعقوبته في كل الأحوال الجلد، أما المسلم المحصن فعقوبته الرجم. ورأى مالك والشافعي وأحمد أن الإسلام ليس شرطاً في الإحصان، ومن ثم فالذمي المحصن يعاقب عندهم بالرجم كالمسلم. فالخلاف بين الفريقين أساسه تفسير لفظ الإحصان.
والقذف من أركانه الإحصان لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ}[النور: ٤] ، فإذا فسر لفظ الإحصان على أن من شروطه الإسلام ترتب على هذا التفسير أن يعاقب قاذف المسلم بعقوبة الحد وهي الجلد ثمانين جلدة، ويعاقب قاذف الذمي بالتعزير، والتعزير قد يكون جلداً أو حبساً أو غير ذلك، وقد يكون أخف من عقوبة الحد، وقد يكون أنكى منها.
وظاهر من مقارنة النتائج في هذه الجرائم الثلاث أن الأمر لا يسير على نهج واحد، ولا ينتهي بنتائج واحدة، فإذا كانت النتيجة في القتل تخفيف عقوبة المسلم، فقد كانت في الزنا تخفيف عقوبة الذمي، وتشديد عقوبة المسلم.
أما في القذف فقد تكون النتيجة في صالح الذمي وقد تكون ضده. وهذه النتائج التي تنتهي إليها آراء الفقهاء تكفي بذاتها لدفع ما يمكن أن يظن من أن الشريعة تميز المسلم على غير المسلم في العقوبة، كما أن هذه النتائج تؤيد ما قلناه من أن المسألة ترجع إلى تفسير النصوص والاختلاف على فهمها، ولا ترجع إلى أن الشريعة تميز فريقاً على فريق.