للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنقص، وليس للقاضي أن يستبدل بها عقوبات أخرى، والعقوبات في جرائم القصاص مقدرة أيضاً، ولكن يصح أن يستبدل بها عقوبات أخرى إذا عفا المجني عليه أو وليه، أو كان مانع شرعي من العقوبة، وليس للقاضي حق الاستبدال، وعليه أن يطبق العقوبة الأصلية إذا لم يكن مانع أو عفو، فإن كان أحدهما طبق العقوبة البديلة، أما عقوبات التعزير فهي ذات حدين غالباً، وتقدير العقوبة متروك للقاضي ينزل بالعقوبة إلى حدها الأدنى، أو يرتفع بها إلى الحد الأعلى، بحسب ما يرى من ظروف الجريمة وظروف الجاني.

وظاهر مما سبق أن طبيعة العقوبات في الشريعة لا تسمح بالتفريق في العقوبة بين فرد وفرد، ولا مسلم وغير مسلم، وأن لكل جريمة عقوبتها فمن ارتكب جريمة استحق عقوبتها سواء كان مسلماً أو غير مسلم.

لكن هناك جرائم اختلف فيها الفقهاء على الشروط التي يجب توافرها في الجاني أو المجني عليه؛ ليستحق الجاني العقوبة المقررة لهذه الجرائم، وهذا الخلاف قد يدعو غير الملم بالشريعة أو بأحكام المذاهب المختلفة إلى الظن بأن الشريعة تفرق في العقوبة بين المسلم وغير المسلم، والجرائم المختلف عليه على وجه التحديد ثلاث: القتل العمد، الزنا، والقذف.

فأما القتل العمد فعقوبته في الشريعة هي القصاص، ولكن مالكاً والشافعي وأحمد لا يجيزون القصاص من المسلم إذا قتل الذمي، وحجتهم ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا لا يقتل مسلم بكافر". أما أبو حنيفة فيرى القصاص من المسلم إذا قتل الذمي؛ لأنه لفظ الكافر بأنه من لا عهد له فلا ينطبق على الذمي لأنه ذو عهد، ويتمسك بعموم النص الذي جعل القصاص عقوبة لكل قتل. فالخلاف بين الفقهاء هنا هو الخلاف في تفسير نص، ولا شك أن التفسير الذي يسوي بين المسلم والذمي هو التفسير الذي يستقيم مع عموم النص ومع التسوية بين الاثنين في الجرائم عامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>