التعازير جرائم عقوباتها غير ثابتة قد يعاقب عليها بعقوبات تافهة وقد يعاقب عليها بعقوبات جسيمة، وأن أغلب جرائم التعازير قد يعاقب عليها في زمان دون زمان ومكان دون مكان، وقد تتغير أركانها بتغير وجهة نظر أولي الأمر. ولهذا كله لم يتكلم الفقهاء عن جرائم التعازير إلا كلاماً عاماً، ولم يدخلوا في تفاصيل أركان الجريمة وشروطها، وعلى هذا الأساس لم يتكلموا عن الشروع بصفة خاصة؛ لأنه من جرائم التعازير.
ثانيهما: أن قواعد الشريعة الموضوعة للعقاب على تعازير منعت من وضع قواعد خاصة للشروع في الجرائم، لأن قواعد التعازير كافية لحكم جرائم الشروع. فالقاعدة في الشريعة أن التعزير يكون في كل معصية ليس فيها حد مقدر ولا كفارة، أي أن كل فعل تعتبره الشريعة معصية هو جريمة يعاقب عليها بالتعزير ما لم يكن معاقباً عليها بحد أو كفارة، ولما كان الحد والكفارة لا يعاقب بها إلا على جرائم معينة أتمها الجاني فعلاً، فإن كل شروع في فعل محرم لا يعاقب عليه إلا بالتعزير، ويعتبر كل شروع معاقب عليه معصية في حد ذاته أي جريمة تامة، ولو أنه جزء من الأعمال المكونة لجريمة لم تتم، ما دام الجزء الذي تم محرماً لذاته، ولا استحالة في أن يكون فعل ما جريمة معينة إذا كان وحده، وأن يكون مع غيره جريمة من نوع آخر.
فالسارق إذا ما نقب البيت ثم ضبط قبل أن يدخله يكون مرتكباً لمعصية تستوجب العقاب، وهذه المعصية تعتبر في ذاتها جريمة تامة، ولو أنها بدء في تنفيذ جريمة السرقة، وعندها يتسلق السارق المنزل الذي يريد أن يسرق منه يرتكب معصية، وعندما يدخل البيت دون نقب أو تسلق بقصد السرقة يرتكب معصية، وإذا أذن له بدخول البيت فجمع متاعه ليسرقه فضبط قبل الخروج منه فهو مرتكب لمعصية، وهكذا كلما أتى السارق فعلاً تحرمه عليه الشريعة فهو مرتكب لمعصية؛ أي جريمة تامة تستوجب العقاب، إذا نظرنا إليها على حدة، ولو أن هذه المعصية تعتبر جزءاً من جريمة أخرى إذا نظرنا إلى جريمة