السرقة التي لم تتم، فإذا أتم الجاني سلسلة الأفعال المكونة لجريمة السرقة، وخرج بالمسروقات من الحرز، فإن كل الأفعال التي أتاها تكون مجتمعة جريمة معين هي السرقة، وبتمام جريمة السرقة تجب عقوبة الحد وهي العقوبة المقررة للسرقة التامة، ويمتنع التعزير على ما دون التمام؛ لأن كل الأفعال اندمجت وتكونت منها جريمة السرقة.
والزاني إذا دخل بيت المرأة المزني بها يرتكب معصية، وإذا جلس معها في خلوة يرتكب معصية، وإذا قبلها يرتكب معصية، وكل هذه الأفعال تعتبر شروعاً في جريمة الزنا التي لم تتم، ولكن كل فعل منها يعتبر بذاته معصية تامة تستوجب التعزير، فإذا ما تمت جريمة الزنا وجب الحد وامتنع التعزير، لأن كل هذه المقدمات تكون مع الإيلاج جريمة واحدة تامة هي جريمة الزنا.
وهكذا يتبين لنا مما سبق أنه لم يكن ثمة ما يدعو الفقهاء لوضع نظرية خاصة بالشروع في الجرائم، وإنما دعتهم الضرورة فقط إلى التفرقة بين الجريمة التامة والجريمة غير التامة في جرائم الحدود والقصاص، لأن الجريمة التامة دون غيرها هي التي تستوجب عقوبة الحد أو القصاص، أما الجرائم غير التامة فلا تستوجب هاتين العقوبتين وفيها التعزير فقط.
ومن الخطأ البين أن يظن البعض أن الشريعة لا تعرف الشروع في الجرائم، إذ الظاهر مما تقدم أنها عرفت الشروع حق المعرفة، وكل ما في الأمر أنها عالجته بطريقتها الخاصة لا على طريقة القوانين الوضعية. ولم يعبر الفقهاء عن الجرائم غير التامة بتعبير الشروع في الجرائم، لأن الأفعال التي لم تتم تدخل في جرائم التعازير كلما تكون منها معصية، وتعتبر جرائم تامة بذاتها ولو أنها لم تكف لتكوين الجرائم المقصودة أصلاً، فليس هناك ما يدعو لتسميتها بالجرائم المشروع فيها ما دام أن ما تم منها يعتبر في ذاته جريمة تامة، وإذا عبرنا اليوم عن الجرائم غير التامة وقلنا إنها جرائم الشروع فلن نأتي بشيء جديد، وإنما هو إطلاق تسمية جديدة