إلى ما نسميه اليوم بالجريمة المستحيلة. والجريمة المستحيلة - كما يعرفها شراح القوانين الوضعية - هي التي يستحيل وقوعها: إما لعدم صلاحية وسائلها، كمن يطلق على آخر بقصد قتله بندقية لا يعلم أنها غير معمرة أو أن إبرتها مكسورة، وإما لانعدام موضوعها، كمن يطلق عياراً على ميت بقصد قتله وهو غير عالم بموته.
وقد كانت الجريمة المستحيلة محل نظر فقهاء القانون الوضعي ومناقشاتهم في القرن الماضي، وكان بعضهم يرى العقاب على الشروع فيها، وبعضهم لا يرى ذلك. أما اليوم فقد اتجه الرأي إلى إهمال نظرية الاستحالة والأخذ بالمذهب المضاد وهو المذهب الشخصي، ويقوم على النظر إلى غرض الفاعل وخطورته، فمتى كانت الأفعال التي أتاها تدل صراحة على قصد الفاعل فهو شارع في الجريمة وتجب عليه عقوبة الشروع.
ورأي أصحاب المذهب الشخصي في الجريمة المستحيلة يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، إذ يستوي في الشريعة الإسلامية أن تستحيل الجريمة بالنسبة لوسائلها أو موضوعها والغاية منها، فإن ذلك كله لا ينفي مسئولية الجاني إن كان ما فعله معصية، ولا شك أن محاولة الجاني الاعتداء على المجني عليه هي في ذاتها معصية بغض النظر عما إذا كانت المحاولة قد أدت لنتيجتها أم لم تؤد لذلك، وسواء كانت نتيجة المحاولة ممكنة الحصول أو مستحيلة الوقوع؛ لأن المحاولة في كل الأحوال اعتداء على الفرد وعلى أمن الجماعة، وما دامت النية الجنائية قد ظهرت وتجسمت في أفعال خارجية أتى بها الجاني بقصد تنفيذ جريمته فهو جان يستحق العقاب كلما تكوَّن من أفعاله معصية، وإذا كان الفعل لم يلحق أذى فعلاً بالمجني عليه، أو كانت الجريمة قد استحال تنفيذها، فإن ذلك أمر يترك تقديره للقاضي، فيعاقب الجاني بالعقوبة التي تتلاءم مع قصده وخطورته والظروف التي أحاطت بتنفيذ جريمته.