للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دون اتفاق سابق، ويعمل كل منهم بحسب ما تمليه عليه رغبته الذاتية وفكرته الطارئة، ففي هذه الحالة وأمثالها يقال أن بين المشتركين توافقاً، ولكن كلاً منهم لا يسأل إلا عن فعله فقط، ولا يتحمل نتيجة فعل غيره.

أما التمالؤ فيقتضي الاتفاق السابق بين الشركاء المباشرين على ارتكاب الجريمة، بمعنى أنهم يقصدون جميعاً قبل ارتكاب الحادث الوصول إلى تحقيق غرض معين، ويتعاونون أثناء وقوع الحادث على إحداث ما اتفقوا عليه، فإذا اتفق شخصان على قتل ثالث، ثم ذهبا لتنفيذ الجريمة فضربه أحدهما بسكين فقطع إصبع يده، وذبحه الثاني، فإنهما يعتبران متماثلان على جريمة القتل، وكلاهما مسئول عن القتل لهذا التمالؤ.

ولا يفرق أبو حنيفة بين التوافق والتمالؤ، فحكمهما عنده واحد، والجاني لا يسأل في الحالين إلا عن فعله فقط (١) . أما بقية الأئمة فيفرقون بين التوافق والتمالؤ على الوجه الذي سبق بيانه (٢) . على أن بعض الفقهاء في مذهب الشافعي وأحمد يأخذون برأي أبي حنيفة (٣) .

متى يعد الجاني شريكاً مباشراً؟: يعد الجاني شريكاً مباشراً كلما أتى فعلاً يعتبر به أنه بدأ في تنفيذ الجريمة، وهو يعتبر كذلك كلما أتى فعلاً يعتبر معصية قاصداً به تنفيذ الجريمة، فهو يعد مباشراً للجريمة كلما اعتبر شارعاً في تنفيذها بتعبيرنا العصري، سواء تمت الجريمة أو لم تتم؛ لأن تمام الجريمة أو عدم تمامها ليس له أثر على اعتباره شريكاً مباشراً، وإنما قاصر على العقوبة، فإن تمت الجريمة وكانت حداً وجبت عقوبة الحد، وإن لم تتم وجبت عقوبة التعزير فقط،


(١) الزيلعي ج٦ ص١١٤، البحر الرائق ج٨ ص٣١٠.
(٢) شرح الدردير ج٤ ص٢١٧، ٢١٨، نهاية المحتاج ج٧ ص٢٦١، ٢٦٣، تحفة المحتاج ج٤ ص١٤، ١٥، حاشية البيجيرمي على المنهج ج٤ ص١٤٠، الإقناع ج٤ ص٧١.
(٣) المغني ج٩ ص٣٦٦، الشرح الكبير ج٩ ص٣٣٥، المهذب ج٢ ص٧١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>