للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلاهما منعدم دون شك في هذه الشخصيات، لكن إذا وقع الفعل المحرم ممن يتولى مصالح هذه الجهات، أو الأشخاص المعنوية كما نسميها الآن، فإنه هو الذي يعاقب على جنايته ولو أنه كان يعمل لصالح الشخص المعنوي.

ويمكن عقاب الشخص المعنوي كلما كانت العقوبة واقعة على من يشرفون على شئونه أو الأشخاص الحقيقيين الذين يمثلهم الشخص المعنوي؛ كعقوبة الحل والهدم والإزالة والمصادرة، كذلك يمكن شرعاً أن يفوض على هذه الشخصيات ما يحد من نشاطها الضار حماية للجماعة ونظامها وأمنها.

وإذا كان هذا هو حكم الشريعة الإسلامية من ثلاثة عشر قرناً؛ أي من يوم وجودها، فإن القوانين الوضعية كانت إلى عهد غير بعيد تجعل الإنسان والحيوان والجماد محلاً للمسئولية الجنائية، ولم تكن تفرق بين الإنسان الحي والميت ولا بين المميز وغير المميز ولا بين المختار والمكره؛ لأنها كانت تنظر إلى الجريمة بغض النظر عن فاعلها، ومن ثم كان العاقل البالغ والصبي غير المميز والمجنون والمعتوه يعاقبون على جرائمهم دون النظر إلى حالاتهم وعقلياتهم، بل كان الحيزان وكذلك الجماد يعاقب على ما يمكن أن ينسب إليه من أفعال جنائية.

أما اليوم بعد أن تغيرت الأسس التي كانت تقوم عليه القوانين الوضعية فإن هذه القوانين لا تعرف محلاً للمسئولية الجنائية غير الإنسان الحي، كما أنها تفرق في حكمها بين المدرك المختار وبين فاقد الإدراك والاختيار، وبهذا أصبحت في هذه النقطة المطابقة للشريعة الإسلامية.

٢٨١ - شخصية المسئولية الجنائية: من القواعد الأولية في الشريعة الإسلامية أن المسئولية الجنائية شخصية، فلا يسأل عن الجرم إلا فاعله ولا يؤخذ امرؤ بجريرة غيره مهما كانت درجة القرابة أو الصداقة بينهما. وقد قرر القرآن الكريم هذا المبدأ العادل في كثير من آياته، ومن ذلك قوله تعالى: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} [الأنعام: ١٦٤] ، {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر:

<<  <  ج: ص:  >  >>