للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن مات بعد القذف وقبل الشكوى فليس لغيره من ورثته أو عصباته أن يخاصم القاذف ويشكوه، إلا إذا كان المقذوف قد مات قبل العلم بالقذف، أما إذا مات بعد الشكوى فتحل ورثته محله عند مالك والشافعي وأحمد، وتسقط الدعوى بموته عند أبي حنيفة، لأنه يرى أن حق المخاصمة في دعوى القذف ليس حقاً مالياً حتى يورث.

وإذا كان المقذوف ميتاً فجمهور الفقهاء يبيحون رفع الدعوى على القاذف بناء على شكوى الورثة أو الأصول أو الفروع، وحجتهم في ذلك أن القذف يتعدى الميت إلى الأحياء، وأنهم قدح في نسبهم فكأن القاذف قذفهم معني، ولهذا كان لهم حق تحريك الدعوى دفعاً للعار عن أنفسهم. ويرى بعض الفقهاء أن العار يلحق الأصول والفروع دون غيرهم، ولهذا قصر حق المخاصمة عليهم.

ويرى البعض أن العار يلحق كل الورثة، وأصحاب هذا الرأي يبيحون للورثة جميعاً حق المخاصمة. وعلى كل حال فمن له حق المخاصمة يستطيع أن يخاصم دون توقف على غيره ممن له نفس الحق، ولو كان هذا الغير أقرب درجة للميت، أي أن الأبعد يستطيع أن يخاصم ولو لم يخاصم الأقرب (١) .

وإذا كان الفقهاء يعللون المخاصمة بأنها لدفع العار على المخاصم من أصول الميت أو فروعه أو ورثته، وكان للأبعد أن يخاصم مع وجود الأقرب فمعنى ذلك أن الدعوى قصد منها حماية الأحياء لا حماية الميت، ودفع العار عنهم لا عنه، خصوصاً وأن القذف يتعدى دائماً المقذوف إلى غيره، إذ القذف في الشريعة معناه نفي النسب عن المقذوف أو نسبة الزنا إليه، فالمقذوف سواء كان رجلاً أو امرأة إذا نفيّ عنه نسبه تعداه نفي النسب إلى أصوله وفروعه وورثته، وإذا كان رماه فنسب إليها الزنا تعداها القذف إلى أصولها وفروعها وورثتها.

٢٨٣ - الشريعة والقانون: تتفق القوانين الوضعية مع الشريعة الإسلامية


(١) مواهب الجليل ج٢ ص٣٠٥، الزيلعي ج٣ ص٢٠٣، ٢٠٤، الشرح الكبير ج١ ص٢٣٠ وما بعدها، المهذب ج٢ ص٢٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>