للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأحزاب: ٥] ، ولقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، ولكن الشريعة أجازت العقاب على الخطأ استثناء من هذا الأصل (١) ، من ذلك قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ ... } [النساء: ٩٢] .

ولما كان الأصل هو العقاب على العمد، والاستثناء هو العقاب على الخطأ، فإنه يترتب على ذلك أن كل جريمة عمدية يعاقب عليها فاعلها إذا أتاها عامداً، ولا يعاقب عليها إذا أتاها مخطئاً، ما لم يكن الشارع قد قرر عقوبة لمن أتاها مخطئاً؛ لأن الجريمة بهذا تصبح من جرائم العمد وجرائم الخطأ في أن واحد. فمن زنا عامداً عوقب بعقوبة الزنا، ولكن من أتى امرأة أجنبية زفت إليه على أنها امرأته لا عقاب عليه؛ لأنه أخطأ والجريمة عمدية. ومن سرق عامداً عوقب بعقوبة السرقة، ولكن من أخذ مال غيره سهواً أو خطأ مع مال له لا عقاب عليه؛ لأنه أخطأ ولم يتعمد الفعل المحرم والجريمة عمدية. ومن شرب الخمر عوقب بعقوبة الشرب، ولكن من شربها يظنها ماء لا عقاب عليه؛ لأنه شربها من غير عمد والجريمة عمدية.

وهكذا كل جريمة عمدية أتاها الجاني عامداً فعليه عقوبتها فإذا أتاها مخطئاً فلا عقاب عليه. ويمكن تعليل عدم العقاب بأن الخطأ يعدم ركناً من أركان الجريمة العمدية فلا تتكون الجريمة، على أن انتفاء المسئولية الجنائية لانعدام ركن من أركان الجريمة لا يمنع من مسئولية الفاعل مسئولية مدنية، إذ القاعدة في الشريعة أن الدماء والأموال معصومة، وأن الاعذار الشريعة لا تنافي عصمة المحل، فمن زقت إليه امرأة على أنها زوجته فوطئها يحسبها زوجته لا يعاقب جنائياً وإنما عليه مهرها؛ لأن الوطء في دا الإسلام لا يخلو من حد أو


(١) الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم ج٥ ص١٤٩ وما بعدها، وص١٥٤ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>