للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مهر. ومن أخذ خفية مالاً للغير وهو يحسبه ماله ثم صرف فيه لا يعتبر سارقاً لانعدام القصد الجنائي، ولكنه يلتزم بضمان هذا المال لصاحبه.

أما إذا كانت الجريمة مما يحرم إثباته عمداً أو خطأ، كالقتل والجرح، فإن العامد يعاقب على فعله بالعقوبة المقررة للعمد، بينما يعاقب المخطئ بالعقوبة المقررة للخطأ، وقد بينا من قبل أن الشارع يفرق بين عقوبة العامد وعقوبة المخطئ، فيغلظ عقوبة الأول ويخفف عقوبة الثاني (١) .

ويلاحظ أن الصالح العام هو الذي اقتضى العقاب على الخطأ، فهناك من جرائم الخطأ ما له خطورته ويكثر وقوعه، كالقتل والجرح خطأ، ولما كان أساس الخطأ هو التقصير وعدم الاحتياط فقد عاقب الشارع على الجرائم الخطأ التي يكثر وقوعها ولا يخفى خطرها؛ لأن العقاب عليها يحقق مصلحة عامة إذ يحمل الأفراد على التثبت والاحتياط فيقل هذا النوع من الجرائم.

ولقد نصت الشريعة الإسلامية على جرائم معينة واعتبرت أغلب هذه الجرائم عمدية وأقلها من جرائم الخطأ، ولما كان الأصل هو العقاب على الجرائم العمدية والاستثناء هو العقاب على الخطأ فإنه لا يجوز لولي الأمر أن يعاقب من ارتكب خطأ جريمة عمدية إلا إذا كان في ذلك تحقيق مصلحة عامة، وهذا يصدق على الجرائم متى حرمتها الشريعة، أما الجرائم التي حرمها أولو الأمر فلهم فيها أن يعاقبوا على العمد والخطأ مع مراعاة الشريعة الأصلية، وهي أن العقاب على العمد هو الأصل، وأن العقاب على الخطأ هو الاستثناء، وأن العقاب على الخطأ لا محل له ما لم يحقق مصلحة عامة (٢) .


(١) راجع الفقرة ٢٨٥.
(٢) لا يجيز المعتزلة العقاب على الخطأ إلا ما نص عليه، وحجتهم أن المؤاخذة تكون بالجناية، والجناية لا تكون إلا بالقصد، والخطأ لا قصد فيه فلا جناية فيه ولا مؤاخذة عليه، ولكن الجمهور يرى أن في الخطأ عدم تثبت والاحتياط الواجبين، فمن تسبب في خطأ أو باشره فقد أتى بجناية وجازت مؤاخذته، راجع: فواتح الرحموت لعبد العلي الأنصاري ج١ ص١٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>