للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفاعل وقصده، فمن رمى شخصاً على أنه زيد ثم تبين أنه رمى عمراً فقد أخطأ في قصده، والخطأ الذي وقع فيه تولد عما ظنه صحيحاً وقصده.

وقد اختلف الفقهاء في حكم الخطأ في الشخص والشخصية، فرأى البعض أن الجاني يسأل عن الجريمة باعتباره متعمداً، ورأى البعض أن الجاني يسأل عن الجريمة باعتباره مخطئاً.

فأما القائلون بأن الجاني يعتبر عامداً فهم أغلب الفقهاء في مذهب مالك وبعض فقهاء المذهب الحنبلي، وهؤلاء يفرقون بين ما إذا كان الفعل المقصود أصلاً محرماً أو غير محرم، فإن كان الفعل المقصود أصلاً محرماً فإن الخطأ في الفعل أو في الظن لا يؤثر على مسئولية الجاني شيئاً؛ لأنه قصد في الأصل فعلاً محرماً فهو جان متعمد، فمن أراد قتل زيد فأخطأه وقتل عمراً يعتبر قاتلاً عمداً لعمرو، ومن قتل عمراً حاسباً أنه زيد يعتبر قاتلاً عمداً عمرو. أما إذا كان الفعل المقصود أصلاً غير محرم فإن الخطأ في الفعل أو في الظن يكون له أثره على مسئولية الجاني؛ لأنه قصد فعلاً مباحاً فإذا أخطأ في فعله أو في ظنه فهو جان مخطئ لا متعمد، فمن رمى صيداً أو غرضاً فأخطأه وقتل آدمياً يعتبر قاتلاً خطأ، ومن رمى حربياً أو مهدر الدم فأخطأه وقتل معصوماً يعتبر كذلك قاتلاً خطأ، ومن قتل عمراً وهو يحسبه زيداً المهدر الدم يعتبر أيضاً قاتلاً خطأ (١) .

وأما القائلون بأن الجاني يعتبر مخطئاً فهم فقهاء مذهبي أبي حنيفة والشافعي وبعض الحنابلة، وهؤلاء جميعاً يرون أن من قصد قتل شخص أو إصابته فأخطأ في فعله وقتل أو أصاب غيره، أو أخطأ في ظنه، وتبين أنه قتل أو أصاب غير من قصده، فإن الجاني يكون مسئولاً عن القتل أو الجرح الخطأ فقط، سواء كان الفعل


(١) مواهب الجليل ج٦ ص٢٤٠- ٢٤٣، الشرح الكبير للدردير ج٤ ص٢١٥، المغني ج٩ ص٣٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>