{وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ}[الإسراء: ٣٣] ، فولي الدم حينما يقتل القاتل يأتي عملاً مباحاً له بصفة خاصة، ولو أن هذا العمل محرم على الكافة، وهو حين يأتيه يحقق غرضين، أولهما: القصاص من القاتل. وثانيهما: أن يكون القصاص بيد ولي الدم.
والجرح محرم على الكافة، ولكن لما كانت حياة الإنسان أو راحته قد تتوقف على عملية جراحية، فقد أبيح للطبيب بصفة خاصة جرح المريض لإنقاذه من آلامه أو لإنقاذ حياته؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات، ولأن الشريعة تحض على التداوي من الأمراض وتوجب على المرء أن لا يلقي بنفسه في التهلكة، فإحداث الجرح يحقق من أغراض الشارع دفع الضرورة، والتداوي من المرض، وإنقاذ النفس من الهلكة.
والضرب محرم على الكافة، ولكن تربية الصغار وتنشئتهم نشأة طيبة تقتضي بطبيعتها أن يؤدبوا ويضربوا، ولما كانت الشريعة توجب على المشرفين على الصغار أن يحسنوا تربيتهم وتنشئتهم؛ فقد أبيح لهؤلاء أن يضربوا الصغار بقصد التأديب والتعليم تحقيقاً للواجب المفروض عليهم.
وهكذا استوجبت طبيعة الأشياء وصالح الأفراد والجماعة وتحقيق غايات الشارع، استوجب لكل هذا أن يعطى لبعض الأفراد حق ارتكاب الأفعال المحرمة على الكافة.
وإذا كان الفعل المحرم قد أبيح؛ لتحقيق مصلحة معينة، فقد وجب منطقياً أن لا يؤدي الفعل المحرم إلا لتحقيق المصلحة التي أبيح من أجلها، فإن ارتكاب الفعل لغرض آخر فهو جريمة، فالطبيب الذي يجرح مريضاً بقصد علاجه يؤدي واجباً كلف به فعمله مباح، ولكنه إذا جرح المريض بقصد قتله فهو قاتل وعمله جريمة.
٣٣٠ - الحق والواجب: والأصل أن صاحب الحق له أن يستعمل