للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يؤديه بنفسه على قدر استطاعته، ولو كان هناك من هو أقدر منه على تأديته، أو من هو على استعداد لتأديته، أو من هو متفرغ لتأديته، وهم يشبهونه بفريضة الحج فهي فرض عين لكن على المستطيع، وعندهم أفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر آكد من فريضة الحج، ولم تشترط فيها الاستطاعة؛ لأنها مستطاعة دائماً، فالاستطاعة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ممكنة لجميع الأفراد، فالجاهل يستطيع أن يأمر بالمعروف فيما هو ظاهر كأداء الصلاة والصوم، وأن ينهى عن المنكر فيما لا يخفى كالسرقة والزنا، والعالم يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيما هو ظاهر وفيما هو خفي. ويرى أصحاب هذا الرأي أن يف جعل الواجب فرض عين حفاظاً للأمة وحرزاً لها من الفساد والتحلل (١) .

ورأى الفريق الآخر - وهم جمهرة الفقهاء - أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفايات كالجهاد، فهو واجب حتم على كل مسلم، ولكن هذا الواجب يسقط على الفرد إذا أداه عنه غيره (٢) ، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: ١٠٤] ، وعندهم أن من (٣) للتبعيض، وأن الله قال: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ} ، ولم يقل: كونوا كلكم آمرين بالمعروف، فإذا قام به واحد أو جماعة سقط الحرج عن الآخرين، فهو فرض؛ لأن الله أوجبه بقوله: {وَلْتَكُن} وهو فرض كفاية؛ لأنه واجب على البعض لا على الكل (٤) .

الاختلاف فيمن يلزمهم الواجب: يرى جمهرة الفقهاء أن الأمر بالمعروف


(١) تفسير المنار ج٤ ص٣٤، ٣٥، أحكام القرآن للجصاص ج٢ ص٢٩.
(٢) الفخر الرازي ج٣ ص١٩، الكشاف للزمخشري ج١ ص٣١٩، أحكام القرآن لابن العربي ج١ ص١٢٨، أحكام القرآن للقرطبي ج٤ ص١٦٥، أحكام القرآن للجصاص ج٢ ص٢٩، أسنى المطالب ج٤ ص١٧٩، مواهب الجليل ج٣ ص٣٤٨.
(٣) يرى الفريق الأول أن "من" للبيان وليس للتبعيض.
(٤) إحياء علوم الدين المجلد الثاني ج٧ ص٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>