إظهار المنكر على التجسس والتفتيش لم يجز إظهار المنكر؛ لأن الله حرم التجسس في قوله:{وَلا تَجَسَّسُوا}[الحجرات: ١٢] ، ولأن للبيوت حرمة وللأشخاص حرمة لا يجوز انتهاكها قبل أن تظهر المعصية، الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن تتبع عورات الناس فقال لمعاوية:"إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم"، وقال عليه السلام:"يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو كان في جوف بيته"، وقد استقر الأمر في الشريعة على هذا من أول يوم، ومما يذكر في هذا الباب ما حدث من عمر رضي الله عنه، فقد تسلق دار رجل فوجده على معصية فأنكر عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، إن كنت أنا قد عصيت الله من وجه واحد فأنت قد عصيته من ثلاثة أوحه: فقال: وما هي؟ فقال: قد قال الله تعالى: {وَلا تَجَسَّسُوا} وقد تجسست، وقال تعالى:{وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}[البقرة: ١٨٩] وقد تسورت من السطح، وقال:{لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}[النور: ٢٧] وما سلمت، فتركه عمر وشرط عليه التوبة. وإذا كان عمر قد تركه فلم يعاقبه ولم يغير المنكر فذلك لأن دخول المسكن وهو الذي أظهر المنكر وهو دخول من غير حق ومن غير وجهه.
ومثل هذا ما رواه عبد الرحمن بن عوف قال:"خرجت مع عمر رضي الله عنه ليلة في المدينة بينما نحن نمشي إذ ظهر لنا سراج فانطلقنا نؤمة فلما دنونا منه إذا باب مغلق على قوم لهم أصوات ولغط، فأخذ عمر بيدي وقال: أتدري بيت من هذا؟ قلت لا، فقال: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف وهم الآن شرب فما ترى؟ قال: أرى أنا قد أتينا ما نهانا الله عن، قال الله تعالى:{وَلا تَجَسَّسُوا} ، فرجع عمر وتركهم".
وتحريم التجسس والتفتيش يترتب عليه أن لا ينبغي لإنسان مثلاً أن يسترق السمع على دار غيره ليسمع صوت الغناء والأوتار، ولا أن يستنشق ليدرك رائحة