للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التلف عادة كالحبس والقيد لمدة قصيرة، والضرب الذي لا يخشى منه التلف، ويسمى إكراهاً ناقصاً أو إكراهاً غير ملجئ (١) .

والإكراه الناقص لا يؤثر إلا على التصرفات التي تحتاج إلى الرضاء كالبيع والإجارة والإقرار، فلا تأثير له على الجرائم.

أما الإكراه التام فيؤثر فيما يقتضي الرضاء والاختيار معاً كارتكاب الجرائم، فمن أكره على جريمة زنا مثلاً ينبغي أن يكون الإكراه الواقع عليه بحيث يعدم رضاه ويفسد اختياره، والإكراه التام هو الذي سنتكلم عنه.

ويرى بعض الفقهاء في مذهب أحمد ورأيهم مرجوح أن الإكراه يقتضي شيئاً من العذاب مثل الضرب والخنق وعصر الساق وما أشبه، وأن التوعد بالعذاب لا يكون إكراهاً، ويستدلون على ذلك بقصة عمار بن ياسر حين أخذه الكفار فأرادوه على الشرك بالله فأبى عليهم، فلما غطوه في الماء حتى كادت روحه تزهق أجابهم ما طلبوا، فانتهى إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبكي فجعل يمسح الدموع من عينه ويقول: "أخذك المشركون فغطوك في الماء وأمروك أن تشرك بالله ففعلت، فإن أخذوك مرة أخرى ففعل ذلك بهم"، ويستدلون أيضاً بما قاله عمر رضي الله عنه: ليس الرجل أميناً على نفسه إذا أجعته أو ضربته أو أوثقته. فهؤلاء الفقهاء يرون أن الإكراه مادياً وسابقاً على الفعل الذي يأتيه المركه فلا يعتبر الفاعل مكرهاً؛ في رأيهم (٢) .

ويرى أصحاب الرأي الراجح في مذهب أحمد ما يراه مالك وأبو حنيفة والشافعي، فيرون أن الوعيد بمفرده إكراه، وأن الإكراه لا يكون غالباً إلا بالوعيد بالتعذيب أو بالقتل أو الضرب أو بغير ذلك، أما ما مضى من العقوبة


(١) البحر الرائق ج٣ ص٨٠.
(٢) المغني ج٨ ص٢٦٠، الشرح الكبير ج٨ ص٢٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>