للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والظاهر أن الفقهاء يرون أن كل جريمة يمكن أن تباح أو يرخص بها للإكراه إلا قتل الإنسان والاعتداء عليه اعتداء مهلكاً، فإنه كبيرة والتساهل فيها يؤدي إلى خطر جسيم، ولذلك يتشددون في هذه الناحية ويجمعون على عدم تأثير الإكراه على العقوبة في هذه الجرائم. ولكنهم اختلفوا على نوع العقوبة، فمالك وأحمد يريان القصاص من المكره (١) . وفي مذهب الشافعي رأيان أرجحهما يرى القصاص والثاني يرى أصحابه أن تكون العقوبة الدية على اعتبار أن الإكراه شبهة تدرأ القصاص (٢) . وفي مذهب أبي حنيفة (٣) اختلاف على العقوبة، فزفر يرى القصاص، وأبو حنيفة ومحمد يريان الاكتفاء بتعزير المكره أي عقابه بالعقوبة التي يراها الشارع ملائمة، وأبو يوسف يرى الدية على المكره.

ونظرية فقهاء الشريعة في عقاب المكره على القتل وقطع الأطراف والضرب المهلك تتفق تماماً في النتيجة مع ما يراه أصحاب النظرية المادية من شرح القوانين الوضعية، وهم الذين يرون أن في حالة الإكراه يتعارض حقان أو مصلحتان، وأن الفاعل يختار بين الجريمة والخطر الذي يتهدده، أو بين تضحية نفس وتضحية الغير، ولا يرون العقاب إذا ضحى بالأقل قيمة لتضحية رغيف لإحياء شخص جائع، أما إذا تساوت المصلحتان أو ضحى بأكبرهما قيمة يرون عقاب الفاعل (٤) .

وقد طبقت هذه النظرية في إنجلترا في حادث ملخصه أن يختاً غرق ونجا من ركابه القبطان وآخر وخادم، واستقلوا قارباً للنجاة فبقوا به ثمانية عشر يوماً يقاسون أشد الآلام، وبعدها اتفق القبطان ورفيقه


(١) مواهب الجليل ج٦ ص٢٤٢، المغني ج٩ ص٣٣١، الإقناع ج٤ ص١٧١.
(٢) تحفة المحتاج ج٤ ص٧، المهذب ج٣ ص١٨٩.
(٣) بدائع الصنائع ج٧ ص١٧٩.
(٤) الموسوعة الجنائية ج١ ص٤٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>