ثالثاً: أن يكون المكره قادراً على تحقيق وعيده؛ لأن الإكراه لا يتحقق إلا بالقدرة، فإن لم يكن المكره قادراً على فعل ما هدد به فلا إكراه. ولا يشترط في المكره أن يكون ذا سلطان كحاكم أو موظف؛ لأن العبرة بالقدرة على الفعل المهدد به لا بصفة المكره.
رابعاً: أن يغلب على ظن المكره أنه إذا لم يجب إلى ما دعي إليه تحقق ما أوعد به، فإن كان يعتقد أن المكره غير جاد فيما أوعد به، أو كان يستطيع أن يتفادى الوعيد بأي طريقة كانت، ثم أتى الفعل مع ذلك، فإنه لا يعتبر مكرهاً. ويجب أن يكون ظن المكره مبنياً على أسباب معقولة.
٣٩٢ - حكم الإكراه: يختلف حكم الإكراه باختلاف الجرائم، ففي بعض الجرائم لا يكون للإكراه أي أثر، وفي بعضها ترتفع المسئولية الجنائية ويباح الفعل، وفي بعضها تبقى المسئولية الجنائية وترتفع العقوبة، فالجرائم بالنسبة للإكراه على ثلاثة أنواع:
(١) نوع لا يؤثر عليه الإكراه فلا يبيحه الإكراه ولا يرخص به.
(٢) نوع يبيحه الإكراه فلا يعتبر جريمة.
(٣) نوع يرخص به الإكراه فيعتبر جريمة ولكن لا يعاقب عليه.
٣٩٣ - الجرائم التي لا يؤثر عليها الإكراه: اتفق الفقهاء على أن الإكراه الملجئ لا يرفع العقوبة عن المكره إذا كانت الجريمة التي ارتكبها قتلاً أو قطع طرف أو ضرباً مهلكاً (١) ، وحجتهم في ذلك قوله تعالى:{وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ}[الأنعام: ١٥١] ، وقوله:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا}[الأحزاب: ٥٧] ، ويعللون عقاب المكره بأنه قتل المجني عليه متعمداً ظالماً لاستبقاء نفسه معتقداً أن في قتله نجاة نفسه وخلاصه من شر المكره.