للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفعل يمس مصلحة الغير، فأساس التحريم قائم في حالتي الإكراه والاختيار، ومن ثم بقى الفعل جريمة في الحالين، ولكن لما كان الفاعل قد أتى الفعل وهو مكره فقد رفعت عنه عقوبة الفعل للإكراه.

ولعل منطق الشريعة في هذه الناحية أدق من منطق القوانين الوضعية التي تسوي في الحكم بين الجرائم جميعاً وإن اختلف أساس التحريم فيها. فالقانون المصري مثلاً يعاقب على استعمال اللحم المذبوح خارج السلخانة (١) ، والحكمة في تحريم الاستعمال الخوف من أن يكون اللحم من حيوان مصاب بمرض معد فيمرض الآكل، فإذا اضطر الجوع إنساناً ليأكل من هذا اللحم اعتبر فعله جريمة بالرغم من أن التحريم قصد به أصلاً المحافظة على حياة الآكل، بالرغم من أن تحريم الفعل في حالة الاضطرار يؤدي إلى القضاء على حياة الآكل، واكتفى برفع العقاب عنه مع أن علة التحريم في هذه الحالة منعدمة. وهكذا لا نجد الشريعة خالفت القوانين الوضعية إلا وجدنا الحق والعدل والمنطق في جانب الشريعة.

٣٩٦ - الجرائم التي ترتفع فيها العقوبة: يرفع الإكراه التام العقوبة في كل الجرائم الأخرى عدا ما سبق مع بقاء الفعل محرماً على أصله، ولعة ذلك أن المكره لا يأتي الفعل راضياً عنه ولا مختاراً له اختياراً صحيحاً؛ والمرء لا يسأل عن فعله إلا إذا كان مدركاً مختاراً، فإذا انعدم الإدراك أو الاختيار فلا عقاب على الفاعل. فالسبب في الإعفاء راجع إلى الشخص لا إلى الفعل في ذاته، ومن ثم رفعت العقوبة عن الفاعل وبقى الفعل محرماً.

وكل ما يشترط لرفع العقوبة عن المكره أن يكون الإكراه تاماً، فإن كان ناقصاً لم ترتفع العقوبة، ويستوي أن يكون الإكراه التام مادياً أو معنوياً.


(١) المادة الأولى من لائحة السلخانات.

<<  <  ج: ص:  >  >>