للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} فلم يعاقبها عمر.

حكم المسئولية المدنية: يسأل المكره مدنياً في هذا القسم عن الأضرار التي أصابت غيره من الجرائم التي ارتكبها ولو أنه معفى من عقوبتها؛ لأن القاعدة في الشريعة أن الدماء والأموال معصومة؛ أي أن الاعتداء عليها محرم، وأن الأعذار الشريعة لا تبيح عصمة المحل؛ أي أن ما اعتبره الشارع عذراً للفاعل لا يبيح نفس الفعل المحرم. فإذا أعفى الفاعل من العقوبة فهو ملزم بتعويض غيره من الأضرار التي سببها له بإنجاء نفسه من الهلكة والضرر.

وتتفق الشريعة في هذا القسم مع القوانين الوضعية الحديثة ولا تختلف عن القانون المصري الذي ينص على رفع العقاب عمن ارتكب جريمة ألجأته إلى ارتكابها ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله ولا في قدرته منعه بطريقة أخرى (١) .

والقوانين الوضعية وإن كانت رفعت العقوبة عن المكره إلا أنها تجعله مسئولاً مدنياً عن الأضرار التي أحدثها بالغير؛ شأنها في ذلك شأن الشريعة.

٣٩٧ - أساس نظرية الإكراه في الشريعة: بينا فيما سبق أن أساس حالة الإكراه المبيح للفعل، ونبين الآن أساس ما عداه من حالات الإكراه. والظاهر من تتبع آراء الفقهاء أنهم يرون أن الإكراه يعدم الرضا ولا يعدم الاختيار، فالمكره لا ينعدم اختياره إطلاقاً وإنما يفسد فقط ويضيق مداه بحيث لا يستطيع أن يختار إلا بين أمرين: إما ارتكاب الجريمة وإما تعريض نفسه لوعيد المكره. وإذا كانت المسئولية الجنائية تقوم على اختيار فإنها لا تنعدم إلا إذا انعدم الاختيار، ولا يعتبر الاختيار منعدماً إذا انحصر وضاق مداه على


(١) راجع المادة ٦١ من قانون العقوبات المصري.

<<  <  ج: ص:  >  >>