للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللمضطر التزود من الطعام أو الشراب المحرم إذا كان يعلم أن الضرورة مستمرة، بشرط أن لا يطعمه ولا يشربه إلا إذا تجددت الضرورة (١) .

وقد اختلفوا في إتيان الفعل المحرم الذي يباح للضرورة، فقال البعض ورأيهم الراجح: إن إتيان الفعل واجب على المضطر وليس حقاً له، فالمضطر إلى الطعام أو الشراب يأثم إذا لم يأكل المحرم أو يشربه لقوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] ، ولقوله: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: ٢٩] ، فوجب على الإنسان كلما قدر على إحياء نفسه بما أحله الله أن يتناوله ليحيي نفسه، ويرى البعض الآخر ورأيهم مرجوح أن إباحة الأكل والشرب رخصة للمضطر له أن يأتيها أو يتركها، فإتيان الفعل حق لا واجب (٢) .

٤٠٤ - الجرائم التي ترفع الضرورة عقوبتها: وفيما عدا النوعين السابقين من الجرائم فإن المضطر إذا أتى الجرائم الأخرى مدفوعاً إلى ارتكابها بالضرورة فإنه يعفى من العقوبة مع بقاء الفعل محرماً، ومثل ذلك سرقة الجائع الطعام أو الشراب، وإلقاء أمتعة الركاب في البحر إذا أشرف المركب على الغرق.

ويشترط للإعفاء من العقوبة أن لا يأتي المضطر الفعل إلا بالقدر الذي يدفع الضرورة، فليس للجائع أن يأكل من طعام غيره إلا ما يرد جوعه، وليس له أن يأخذ معه شيئاً، وليس لراكب القارب المشرف على الغرق أن يلقي من أمتعة الركاب إلا بالقدر الذي يمنع غرق القارب.

ويشترط للإعفاء من العقوبة أن يكون الفعل المحرم مما يرد الضرورة، فإذا لم يكن كذلك فلا إعفاء، فمن يسرق أمتعة من آخر ليبيعها ويشتري بثمنها


(١) مواهب الجليل ج٣ ص٢٣٣، أسنى المطالب ج١ ص٥٧٠، المغني ج١١ ص٧٥.
(٢) أحكام القرآن للجصاص ج١ ص١٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>