للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جنائياً تعويض الضرر الذي أحدثه تعويضاً كلياً أو جزئياً، بل أن القانونين الألماني والسويسري يذهبان إلى مسئولية المجنون جنائياً ومدنياً إذا كان الفعل الذي أتاه من الأفعال التي يعاقب فيها على الإهمال أو عدم التبصر، وكأن يكون جنونه ناشئاً عن عادات سيئة كتعاطي المسكرات أو ناشئاً عن فساد الأخلاق. وذلك لأنه يوجد في هذه الحالة خطأ أصلي يصح أن ينسب إلى الفاعل ويكفي لتبرير مسئوليته (١) .

وظاهر مما سبق أن نظرية الخطر وهي أحدث النظريات تتجه اتجاه الشريعة في مسئولية المجنون مدنياً بل هي نفس نظرية الشريعة، وإذا كانت القوانين الوضعية لم تعرف نظرية الخطر إلا في القرن العشرين فقد عرفتها الشريعة من ثلاثة عشر قرناً وأكثر.

٤٢٨ - حكم الجنون اللاحق للجريمة: الجنون اللاحق للجريمة إما أن يحدث قبل الحكم أو بعده:

الجنون قبل الحكم: إذا حدث الجنون قبل الحكم فإنه لا يمنع المحاكمة ولا يوقفها عند الشافعية والحنابلة، وحجتهم أن التكليف لا يشترط إلا وقت ارتكاب الجريمة، وليس في رأيهم هذا ما يسيء إلى مركز المجنون؛ لأن محاكمة المجرمين في الشريعة محوطة بضمانات قوية. ولعل أصحاب هذا الرأي كانوا متأثرين في رأيهم بالمنطق والواقع أكثر من أي شئ آخر، فالمجرم قد ارتكب جريمته واستحق العقوبة عليها فإذا جن فإن جنونه لا يمنع من محاكمته على جريمته ما دام هناك من الوسائل ما يوصل إلى الحقيقة؛ لأن أثر الجنون ينحصر في إعجاز المتهم عن الدفاع عن نفسه، والقاعدة أن العجز عن الدفاع لا يوقف المحاكمة ولا يمنعها، فالأبكم ومن فقد النطق بعد ارتكاب الجريمة ومن لا يكاد يبين كل هؤلاء عاجزون عن الدفاع عن أنفسهم ولا يمنع عجزهم من محاكمتهم، فليس إذن


(١) الموسوعة الجنائية ج٣ ص٦٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>