للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يدعوا لتمييز المجنون على هؤلاء وإيقاف محاكمته بحجة أنه عاجز عن الدفاع عن نفسه؛ لأنهم مثله من حيث عجزهم عن الدفاع ولم يقل أحد بإيقاف محاكمتهم أو امتناعهم.

أما المالكية والحنفية فيرون أن الجنون قبل الحكم يمنع المحاكمة ويوقفها حتى يزول الجنون. وأساس هذا الرأي أن شرط العقوبة التكليف، وأن هذا الشرط يجب توفره وقت المحاكمة وهذا يقتضي أن يكون الجاني مكلفاً وقت المحاكمة فإن لم يكن كذلك امتنعت محاكمته.

ويتفق القانون المصري والقانون الفرنسي مع رأي المالكية والحنفية في إيقاف محاكمة المجنون، ولكن القانونيين يجعلان علة الإيقاف عجز المجنون عن الدفاع عن نفسه، وهذه العلة ظاهرة في نص المادة ٢٤٧ من قانون تحقيق الجنايات المصري حيث جاء بها: "إذا كان المتهم غير قادر على الدفاع عن نفسه بسبب عاهة في عقله فلا يحاكم حتى يعود إليه من الرشد ما يكفي لدفاعه عن نفسه، وإذا اتضح عجزه عن الدفاع عن نفسه أمام المحكمة وجب إيقاف محاكمته على الوجه المتقدم".

وعلة إيقاف المحاكمة في الشريعة عند القائلين بالإيقاف ليست عن عجز المجنون عن الدفاع وإنما هي عدم استيفاء شرط العقاب، ولعل هذا التعليل أدق منطقاً من تعليل الإيقاف بالعجز عن الدفاع؛ لأن القانون المصري والقانون الفرنسي لا يوقفان محاكمة الأخرس ولا الأصم ولا الأبكم ولا من فقد النطق بعد ارتكاب الجريمة مع أنهم عاجزون عن الدفاع عن أنفسهم تماماً كالمجنون، فضلاً عن أن حالاتهم أكثر طروءاً في العمل من حالة المجنون.

الجنون الطارئ بعد الحكم: إذا جن الجاني بعد الحكم عليه فيرى الشافعي وأحمد أن الجنون لا يوقف تنفيذ الحكم إلا إذا كانت الجريمة المحكوم فيها من جرائم الحدود وكان دليل الإثبات الوحيد الذي بني عليه الحكم هو الإقرار؛ لأن للمحكوم عليه في جرائم الحدود أن يرجع عن إقراره إلى وقت تنفيذ العقوبة

<<  <  ج: ص:  >  >>