التفكير في مثلها، فإذا لم يكف التأديب شر المجرم عن الجماعة أو كانت حماية الجماعة تقتضي استئصال المجرم وجب استئصال المجرم أو حبسه حتى الموت. أما مبدأ العناية بشخص المجرم فقد أهملته الشريعة بصفة عامة في الجرائم التي تمس كيان المجتمع؛ لأن حماية الجماعة اقتضت بطبيعتها هذا الإهمال، والجرائم التي من هذا النوع قليلة ومحدودة بطبيعة الحال, وما عدا ذلك من الجرائم ينظر في عقوبته إلى شخصية المجرم، تستوجب الشريعة أن تكون شخصية الجاني وظروفه وأخلاقه وسيرته محل تقدير القاضي عند الحكم بالعقوبة.
تقسيم الجرائم: ولقد نشأ عن الجمع بين المبدأين على هذه الصورة أن أصبح لكل مبدأ حيز ينطبق فيه ومدى ينتهي إليه، ولتقيم الشريعة معالم واضحة للحيز الذي ينطبق فيه كل مبدأ قسمت الجرائم قسمين:
القسم الأول: الجرائم الماسة بكيان المجتمع: يدخل تحت هذا القسم كل القسم كل الجرائم التي تمس كيان المجتمع مساساً شديداً، وهي نوعان لكل منهما حكم مختلف.
١ - النوع الأول: والنوع الأول من الجرائم الماسة بكيان المجتمع يشمل جرائم الحدود التامة، وهي سبع جرائم:
(١) الزنا ... ... (٢) القذف ... ... (٣) الشرب
(٤) السرقة ... ... (٥) الحرابة ... ... (٦) الردة
(٧) البغي
وقد وضعت الشريعة لهذه الجرائم السبع عقوبات مقدرة ليس للقاضي أن ينقص منها أو يزيد فيها أو يستبدل بها غيرها، فمن ارتكب جريمة منها أصابته العقوبة المقررة لها دون نظر إلى رأي المجني عليه أو إلى شخصية الجاني، وليس لولي الأمر أن يعفو عن الجريمة أو العقوبة بحال من الأحوال.
وقد اتجهت الشريعة في جرائم الحدود إلى حماية الجماعة من الجريمة وأهملت شأن المجرم إهمالاً تاماً، فشددت العقوبة وجعلتها مقدرة، ولم تجعل للقاضي أو ولولي الأمر سلطاناً على العقوبة، وعلة التشديد أن هذه الجرائم من