للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينبغي لمن يعاقب الناس على ذنوبهم أن يقصد بذلك الإحسان إليهم والرحمة لهم كما يقصد الوالد تأديب ولده، وكما يقصد الطبيب معالجة المريض" (١) .

ويلاحظ في التأديب أنه يختلف باختلاف الأشخاص، فتأديب أهل الصيانة أخف من تأديب أهل البذاء والسفاهة، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم" (٢) ، ولأن المقصود من التأديب الزجر عن الجريمة وأحوال الناس مختلفة فيه، فمنهم من ينزجر بالنصيحة، ومنهم من يحتاج إلى اللطمة وإلى الضرب، ومنهم من يحتاج إلى الحبس (٣) .

٤٤٠ - نظرية الشريعة في العقاب: يلاحظ أن الأصول التي تقوم عليها العقوبة في الشريعة ترجع إلى أصلين أساسيين أو مبدأين عامين، فبعضها يعني بمحاربة الجريمة ويهمل شخصية المجرم وبعضها يعني بشخصية المجرم ولا يهمل محاربة الجريمة. والأصول التي تعني بمحاربة الجريمة الغرض منها حماية الجماعة من الإجرام، أما الأصول التي تعني بشخص المجرم فالغرض منها إصلاحه.

ولا جدال في أن بين المبدأين تضارباً ظاهراً؛ لأن حماية الجماعة من المجرم تقتضي إهمال شأن المجرم، كما أن العناية بشأن المجرم تؤدي إلى إهمال حماية الجماعة.

وقد قامت نظرية العقوبة في الشريعة على هذين المبدأين المتضاربين، ولكن الشريعة جمعت بين المبدأين بطريقة تزيل تناقضهما الظاهر، وتسمح بحماية المجتمع من الإجرام في أكثر الأحوال، ذلك أن الشريعة أخذت بمبدأ حماية الجماعة على إطلاقه واستوجبت توفره في كل العقوبات المقررة للجرائم, فكل عقوبة يجب أن تكون بالقدر الذي يكفي لتأديب المجرم على جريمته تأديباً يمنعه من العودة إليها ويكفي لزجر غيره عن


(١) اختيارات ابن تيمية ص١٧١.
(٢) الأحكم السلطانية ص٢٠٦.
(٣) شرح فتح القدير ج٤ ص١٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>