يجعل غيره أهلاً لها، ولم يعرف عن الشريعة ما عرف عن القانون من محاكمة الأموات والحيوان والجماد، ولم يعرف عنها أنها تقبل التشهير والتمثيل، بل عرف عنها أنها تأباه أشد الإباء، فقد نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن المثلة ولو بالكلب العقور، ومن لا يرضى المثلة للحيوان فهو دون شك لا يرضاها لإنسان. ويكفي الشريعة الإسلامية فخراً بعد هذا أنها سبقت تفكير العالم بأحد عشر قرناً، وأن العالم يسير على آثارها من قرنين ولا تزال تسبق تفكيره بمراحل.
٤٤٣ - شروط العقوبة: يشترط في كل عقوبة أن تتوفر فيها الشروط الآتية لتكون عقوبة مشروعة:
أولاً: أن تكون العقوبة شرعية: وتعتبر العقوبة شرعية إذا كانت تستند إلى مصدر من مصادر الشريعة، كأن يكون مردها القرآن، أو السنة، أو الإجماع، أو صدر بها قانون من الهيئة المختصة، ويشترط في العقوبات التي يقررها أولو الأمر أن لا تكون منافية لنصوص الشريعة وإلا كانت باطلة.
ويترتب على اشتراط شرعية العقوبة أنه لا يجوز للقاضي أن يوقع عقوبة من عنده ولو اعتقد أنها أفضل من العقوبات المنصوص عليها.
ويظن البعض خطأ أن الشريعة تمنح القاضي سلطة تحكمية في العقاب، وهو ظن لا يتفق مع الواقع، وليس له مصدر إلا الجهل بأحكام الشريعة، فالعقوبات في الشريعة تقسم إلى حدود وقصاص وتعازير، فأما الحدود والقصاص فهي عقوبات مقدرة معينة ليس للقاضي حيالها من سلطان إلا أن يحكم بتطبيقها كلما كانت الجريمة ثابتة دون أن يستطيع تخفيفها أو تشديدها أو استبدال غيرها بها.
فالسرقة مثلاً عقوبتها القطع وليس للقاضي إذا ثبتت الجريمة على الجاني أن يحكم عليه بغير القطع، إلا إذا كان هناك سبب شرعي يمنع من عقوبة القطع كسرقة الأب من الابن. والزنا من غير محصن فعقوبته الجلد مائة جلدة؛ فإذا ثبت الزنا