حكم القاضي بالجلد مائة جلدة، وليس له أن ينقص منها واحدة أو يزيد عليها واحدة، وليس له أن يستبدل بالجلد عقوبة أخرى. والقتل العمد عقوبته القصاص أي القتل, فإذا ثبتت الجريمة على الجاني كان على القاضي أن يحكم بالقصاص، وليس له أن يحكم بعقوبة أخرى إلا إذا كان هناك سبب شرعي يمنع من القصاص، فسلطة القاضي في الحدود والقصاص محدودة مقيدة.
أما التعازير فسلطة القاضي فيها واسعة ولكنها ليست تحكمية، فهي واسعة لأن الشريعة تعاقب على جرائم التعازير بمجموعة من العقوبات تبدأ بأتفه العقوبات كالتوبيخ وتنتهي بأشدها كالحبس حتى الموت والقتل، وتترك الشريعة للقاضي أن يختار من بين هذه المجموعة العقوبات الملائمة للجريمة والمجرم، كأن تترك له أن يقدر كمية العقاب من بين حدي العقوبة الأدنى والأعلى، ولا شك أن إعطاء القاضي هذا السلطان المشروع الواسع يسهل عليه أن يضع الأمور في مواضعها, وأن يعاقب الجاني بالعقوبة التي تحمي الجماعة من الجريمة وتصلح الجاني وتؤدبه. وسلطة القاضي على سعتها ليست تحكمية لأنه لا يستطيع أن يحكم بعقوبة غير شرعية، ولا أن يعاقب الجاني بعقوبة لا تتلاءم مع جريمته، ولعل اتساع سلطة القاضي هو الذي دعا إلى الظن خطأ بأن سلطة القاضي في الشريعة سلطة تحكمية.
وليس في الشريعة ما يوجب منح القضاة هذا السلطان الواسع، ومن ثم يجوز لولي الأمر أن يضيق هذا السلطان إذا اقتضت ذلك مصلحة عامة؛ لأن المصلحة العامة هي التي سوغت منح القضاة هذا السلطان (١) .
ثانياً: أن تكون العقوبة شخصية: ويشترط في العقوبة أن تكون شخصية تصيب الجاني ولا تتعداه إلى غيره، وهذا الشرط هو أحد الأصول التي تقوم