للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وراء الجريمة, ولا تثير فيه من العوامل النفسية المضادة ما يصرف العوامل النفسية الداعية إلى الجريمة أو يكبتها.

وقد أدى عقوبة الحبس إلى إشاعة الفساد والفاحشة, وأكثر الناس الذين يستمسكون عن الزنا اليوم لا تصرفهم عنه العقوبة وإنما يمسكهم عنه الدين أو الأخلاق الفاصلة التي لم يعرفها أهل الأرض قاطبة إلا عن طريق الدين.

وتمتاز الشريعة الإسلامية بأنها حين جعلت الجلد عقوبة للزنا قد حاربت الجريمة في النفس قبل أن تحاربها في الحس، وعالجتها بالعلاج الوحيد الذي لا ينفعها غيره, أما العقوبة التي قررها القانون فإنها لا تمس دواعي الجريمة في نفس المجرم ولا حسه إذ الحبس علاج إن صلح لأية جريمة أخرى فهو لا يصلح بحال لجريمة الزنا.

٤٥٢ - عقوبة التغريب: وتعاقب الشريعة الزاني غير المحصن بالتغريب عاماً بعد جلده، والمصدر التشريعي لهذه العقوبة حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام".

وهذا الحديث غير متفق عليه بين الفقهاء، ولذلك اختلفوا حيال هذه العقوبة, فأبو حنيفة وأصحابه يرون أن الحديث منسوخ أو غير مشهور، وإذا اعترفوا بالتغريب فإنما يعترفون به على أنه تعزير لا حد يجوز الحكم به إذا رآه الإمام (١) , ومالك يرى التغريب حداً واجباً على الرجل دون المرأة (٢) , والشافعي وأحمد (٣) يريان في التغريب حداً يجب على كل زان غير محصن (٤) .

ويرى القائلون بالغريب أن يغرب الزاني من بلده الذي زنى فيه إلى بلد


(١) شرح فتح القدير ج٤ ص١٣٤ وما بعدها.
(٢) شرح الزرقاني ج٨ ص٨٣.
(٣) أسنى المطالب ج٤ ص١٢٩، المغني ج١٠ ص١٣٥، ١٤٤.
(٤) يرى مالك أن التغريب على الرجل دون المرأة وعلى الحر دون العبد، ويجعل أحمد التغريب عقوبة على الأحرار فقط رجالاً ونساء. أما الشافعي فيجعله على الرجال والنساء والأحرار والعبيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>