للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تخضع القوانين لهذا المنطق الذي أخذت بأسبابه واعترفت بمقدماته.

وللمجني عليه ولوليه حق العفو عن عقوبة القصاص, فإذا عفا سقطت العقوبة.

والعفو قد يكون مجاناً وقد يكون مقابل الدية, ولكن سقوط عقوبة القصاص بالعفو لا يمنع ولي الأمر من أن يعاقب المجرم بعقوبة تعزيرية مناسبة.

والأصل في الشريعة أن المجني عليه ليس له في الجرائم عامة حق العفو عن العقوبة, ولكن هذا الحق أعطى استثناء للمجني عليه أو وليه في جرائم القصاص والدية دون غيرها من الجرائم؛ لأن هذه الجرائم تتصل اتصالاً وثيقاً بشخص المجني عليه, ولأنها تمس المجني عليه أكثر مما تمس أمن الجماعة ونظامها، ولم تخش الشريعة أن يمس حق المجني عليه في العفو الأمن العام والنظام؛ لأن جريمة القتل والجرح إذا كانت اعتداء خطيراً على أمن الفرد, فإنها ليست في هذه الخطورة بالنسبة لأمن الجماعة، فكل إنسان لا يخاف قاتل غيره أو ضارب ولا يخشى أن يعتدي عليه؛ لأنه يعرف أن القتل أو الجرح أو الضرب لا يكون إلا عن دافع شخصي, أما السارق مثلاً فيخافه كل فرد ويخشاه؛ لأنه يعلم أن السارق يطلب المال أنى وجده ولا يطلب مال شخص بعينه.

وإذا فرض أن إعطاء حق العفو للمجني عليه أو وليه يؤثر على الأمن العام, فإن هذا التأثير لا يكون إلا إذا أسرف المجني عليه في استعمال هذا الحق, والإسراف بعيد الاحتمال؛ لأن اتصال الجريمة بشخص المجني عليه مما يدعوه للتشدد في استعمال حق العفو عنه، وإذن ففي اتصال الجريمة بشخص المجني عليه ضمان لعدم الإسراف في استعمال حق العفو, وبالتالي ضمان لعدم المساس بأمن الجماعة.

ولقد كانت الشريعة عملية ومنطقية في منح حق العفو للمجني عليه أو وليه؛ لأن العقوبة فرضت أصلاً لمحاربة الجريمة ولكنها لا تمنع وقوع الجريمة في أغلب الأحوال, أما العفو فيؤدي إلى منع الجريمة في أغلب الأحوال، لأنه لا يكون إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>