للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمساواة بين الجناة كما تنعدم بين المجني عليهم, فكان ترك القاعدة العامة إلى هذا الاستثناء واجباً لتحقيق العدالة والمساواة.

٢ - إن الدية وإن كانت عقوبة إلا أنها حق مالي للمجني عليه أو وليه, وقد روعي في تقديرها أن تكون تعويضاً عادلاً عن الجريمة، فلو أخذ بالقاعدة العامة وتحمل المتهم وحده الدية لما أمكن أن يصل معظم المجني عليهم إلى الدية التي يحكم بها؛ لأن مقدرا الدية أكبر عادة من ثروة الفرد، إذ الدية الكاملة مائة من الإبل تقدر بألف دينار, ولاشك أن ثروة الفرد الواحد في أغلب الأحوال أقل بكثير من مقدرا الدية الواحدة, فلو طبقنا القاعدة العامة وتحمل الجاني وحده وزر عمله لكان ذلك مانعاً من حصول المجني عليهم على حقوقهم, فكان ترك القاعدة إلى هذا الاستثناء هو الضمان الوحيد الذي يضمن وصول الحقوق المقررة إلى أربابها.

ويلاحظ أن المجني عليهم في جرائم العمد لا يتعرضون لمثل هذه الحالة؛ لأن العقوبة الأصلية هي القصاص ولا تستبدل بها الدية إلا إذا عفا المجني عليه أو وليه عن القصاص, ولن يعفو أحدهم عن القصاص إلا إذا كان ضامناً الحصول على الدية، فإذا عفا أحدهما عن القصاص وقبل الدية ولم يكن مال الجاني كافياً لسداد الدية فذلك هو اختيار المجني عليه أو وليه، وليس لأحدهما أن يتضرر من هذا الوضع الذي وضع فيه نفسه.

٣ - إن العاقلة تحمل الدية في جرائم الخطأ أو شبه العمد وهو ملحق بالخطأ, وأساس جرائم الخطأ هو الإهمال وعدم الاحتياط, وهذان سببهما سوء التوجيه وسوء التربية غالباً, والمسئول عن تربية الفرد وتوجيهه هم المتصلون به بصلة الدم، كما أن الفرد ينقل دائماً عن أسرته ويتشبه بأقاربه, فكأن الإهمال وعدم الاحتياط هو في الغالب ميراث الأسرة, ولما كانت الأسرة تأخذ عن البيئة والجماعة فيكون الإهمال وعدم الاحتياط في النهاية ميراث الجماعة، فوجب لهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>