للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس على الفقير ولا على المرأة ولا على الصبي ولا على زائل العقل شئ من الدية؛ لأن تحميل الفقير إجحاف به, ولأن المرأة والصبي والمجنون ليسوا من أهل النصرة, ولكن هؤلاء إذا كانوا جناة يعقل عنهم.

وإذا لم يكن للجاني عاقلة أصلاً أو كانت له عاقلة فقيرة أو عددها صغير لا تتحمل كل الدية, فهناك رأيان: الأول: يرى أصحابه أن يقوم بيت المال مقام العاقلة، فإذ لم كن عاقلة أو كانت عاقلة ولكنها فقيرة أخذت الدية كلها من بيت المال. وهذا الرأي هو مذهب مالك والشافعي وظاهر مذهب أبو حنيفة ومذهب أحمد. الثاني: يرى أصحابه أن الدية تجب في مال القاتل؛ لأن الأصل أن القاتل هو المسئول عن الدية، وإنما حملتها العاقلة للتناصر والتخفيف, فإذا لم تكن عاقلة يرد الأمر لأصله. وهذا الرأي رواية عن أبي حنيفة لمحمد, ويقول به بعض الحنابلة (١) .

علة تحميل العاقلة الدية: وتحمل الدية للعاقلة معناه أن آخرين غير الجاني يحملون وزر جريمته, وهو استثناء من القاعدة الشرعية العامة {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ، إلا أن ظروف الجناة والمجني عليهم هي التي سوغت هذا الاستثناء وجعلت الأخذ به لازماً لتحقيق العدالة والمساواة, ولضمان الحصول على الحقوق, ويمكن تبرير هذا الاستثناء بالمبررات الآتية:

١ - لو أخذنا بالقاعدة العامة فتحمل كل مخطئ وزر عمله لكانت النتيجة أن تنفذ العقوبة على الأغنياء وهم قلة, ولامتنع تنفيذها على الفقراء وهم الكثرة، ويتبع هذا أن يحصل المجني عليه أو وليه على الدية كاملة إن كان الجاني غنياً, وعلى بعضها أن كان متوسط الحال, أما إذا كان الجاني فقيراً وهو كذلك في أغلب الأحوال فلا يحصل المجني عليه من الدية على شئ, وهكذا تنعدم العدالة


(١) مواهب الجليل ج٦ ص٢٦٦, بدائع الصنائع ج٧ ص٢٥٦, المغني ج٩ ص٢٥٤، المهذب ج٢ ص٢٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>