للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جان وحده بالدية التي تجب بجريمته وكان عاجزاً عن أدائها, لأهدر بذلك دم المجني عليه, فكان الخروج عن القاعدة العامة إلى الاستثناء واجباً حتى لا تذهب الدماء هدراً دون مقابل.

هذه هي أهم المبررات التي دعت إلى الخروج على القاعدة العامة, ولعل هذا الاستثناء هو في الشريعة الإسلامية الاستثناء الوحيد لقاعدة "ألا تزر وازرة وزر أخرى"، أو لقاعدة تفريد العقاب كما تسميها النظريات القانونية الحديثة، وقد أخذت الشريعة بهذا الاستثناء لأنه يحقق الرحمة والمساواة والعدالة ويمنع إهدار الدماء ويضمن الحصول على الحقوق (١) .

هل يمكن الأخذ بنظام العاقلة اليوم؟: نظام العقلة على ما فيه من عدالة وتسوية بين الجناة والمجني عليهم لا يمكن أن يقوم في عهدنا الحاضر, لأن أساسه وجود العاقلة, لا شك أن العاقلة ليس لها وجود اليوم إلا في النادر الذي لا حكم له, وإذا وجدت فإن عدد أفرادها قليل لا يتحمل أن تفرض عليه كل الدية, ولقد كان للعاقلة وجود طالما احتفظ الناس بأنسابهم وقراباتهم وانتموا إلى قبائلهم وأصولهم, أما الآن فلا شيء من هذا في أغلب البلاد والأقطار, وإذن فلا محيص من الأخذ بأحد الرأيين الذين أخذ بهما الفقهاء من قبل, فإما الرجوع على الجاني بكل الدية, وإما الرجوع على بيت المال.

والرجوع على الجاني يؤدي إلى إهدار دماء أكثر المجني عليهم؛ لأن أكثر الجناة فقراء وهذا لا يتفق مع أغراض الشريعة التي تقوم على حفظ الدماء وحياطتها، كما أن الرجوع على الجاني يؤدي إلى انعدام العدالة والمساواة.

والرجوع على بيت المال يرهق الخزانة العامة, ولكنه يحقق العدالة والمساواة، ويصون الدماء, ويحقق أغراض الشريعة, وإذن يجب أن لا يكون الخوف من إرهاق الخزنة مانعاً من العدالة والمساواة, وحائلاً دون تحقيق أغراض


(١) راجع الفقرة ٢٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>