للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اختلف الفقهاء في تفسير هذين النصين وتطبيقهما:

ففي مذهب مالك يفرقون بين القتل العمد والقتل الخطأ, ويتفقون على أن القتل الخطأ لا يصلح سبباً للحرمان من الوصية, فالقاتل خطأ تصح الوصية له في المال ولو لم يكن المقتول عالماً بأنه هو قاتله, فإن علم بأنه قاتله وأوصى له صحت الوصية في المال وفي الدية. ولكنهم اختلفوا في القتل العمد، فرأى البعض أن الوصية لا تصح إذا كان المقتول لا يعلم أن الموصى له قاتله، فإن علم أنه قاتله وأوصى له بعد الجناية فالوصية تصح في المال ولا تصح في الدية؛ لأن الدية مال لم يجب إلا بالموت، وعلى هذا إذا كانت الوصية قبل الجريمة فإنها تبطل بارتكاب جريمة القتل العمد إلا إذا رأى المقتول البقاء على الوصية. ورأى البعض الآخر أن الوصية تصح للقاتل عمداً سواء علم الموصى بأنه قاتله أو لم يعلم، ويستوي عند أصحاب هذا الرأي أن تكون الوصية قبل القتل أو بعده فهي صحيحة في الحالين (١) .

ويرى أبو حنيفة حرمان القاتل من الوصية أياً كان نوع القتل، بشرط أن يكون القتل مباشراً, وأن يكون عدواناً، وأن يكون من بالغ عاقل. ويرى أبو حنيفة أن الوصية تصح إذا أجازها الورثة، ويرى أبو يوسف أنها لا تصح ولو أجازها الورثة؛ لأن المانع من الوصية هو القتل لا مصلحة الورثة (٢) .

وفي مذهبي الشافعي وأحمد نظريتان:

الأولى: يرى أصحابها أن الوصية لا تصح لقاتل, وأصحاب هذه النظرية ينقسمون بعد ذلك إلى فريقين: فريق يرى أن الوصية لا تصح ولو أجازها الورثة؛ لأن المانع من الوصية هو القتل لا مصلحة الورثة, فإجازة الورثة تكون هبة مبتدأة ينبغي أن تتوافر فيها شروط الهبة. وفريق يرى أن الوصية تصح بإجازة الورثة.


(١) مواهب الجليل ج٦ ص٣٨٦، شرح الدردير ج٤ ص٣٧٩.
(٢) بدائع الصنائع ج٧ ص٣٣٩, ٣٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>