للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجلدات لا يبلغ حد الرجم، وثانيهما: أنه لا يصح أن يزاد في التعزير على عشرة أسواط بأي حال, وحجة القائلين بهذا الرأي الأخير ما رواه أبو يردة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حودو الله تعالى" (١) , وينسب بعض الفقهاء هذا الرأي للشافعية, ولكني لم أجد له أثراً فيما لديّ من كتب الشافعية, وحجة من نسبوه للشافعية قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي، الحديث الذي بني عليه هذا الرأي صحيح (٢) .

ويرجع اختلاف المذاهب واختلاف فقهاء المذهب الواحد إلى حديثي الرسول - صلى الله عليه وسلم - اللذين ذكرناهما وهما قوله: "من بلغ حداً في غير حد فهو من المعتدين"، وقوله: "لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله", فأما الحديث الأول فلا يرده من المذاهب الأربعة إلا مذهب مالك بحجة أنه منسوخ، وعندهم أنه لا حد لأكثر التعزير، وأن للإمام أن يزيد في التعزير على الحد إذا رأى المصلحة في ذلك مجانباً لهوى النفس, وأما الحديث الثاني فهو مردود إلا عند بعض الفقهاء في مذهب أحمد, ومن رده يرده لأنه منسوخ، أو لأنه مقصور على زمن الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٣) .

ومن أخذوا بالحديث الأول اختلفوا في تفسيره, ففسره البعض بأنه يمنع من أن تصل العقوبة في التعزير إلى العقوبة في أدنى الحدود, ونظر فريق منهم إلى البعيد فقال: إن الحد ينصف لهم, فأدنى الحدود حدودهم، وأدنى حد لهم هو أربعون جلدة.


(١) فتاوي ابن تيمية المجلد الرابع, الاخيتارات ص١٧٨, المغني ج١٥ ص٣٤٧, الطرق الحكمية ص١٠٦, الإقناع ج٤ ص٢٧٠ وما بعدها.
(٢) شرح فتح القدير ج٤ ص٢١٥, الطريق الحكمية ص١٠٦.
(٣) شرح فتح القدير ج٤ ص٢١٥, تبصرة الحكام ج٢ ص٢٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>