للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفسر البعض الحديث بأنه يمنع من أن تصل العقوبة التعزيرية إلى عقوبة الحد على وجه العموم, أو أن تصل العقوبة التعزيرية على ما في جنسه الحد إلى عقوبة الحد, ويرى هؤلاء أن تقاس الجريمة بعضها على بعض, فما ماثل الشرب والقذف في موضوعه أو في خطورته لم يصل فيه التعزير إلى مائة جلدة. وفسر البعض الآخر الحديث بأنه يمنع من أن تصل العقوبة التعزيرية على جريمة في جنسها الحد إلى عقوبة الحد, فإن لم يكن في جنسها الحد جاز أن تصل إلى عقوبة الحد وإلى أكثر منها, فمثلاً لا يجوز عقاب من وجد في فراشه امرأة بالجلد مائة جلدة إذا لم يكن محصناً ما دام لم يطأها؛ لأن حد الزاني غير المحصن هو الجلد مائة جلدة, ولكن يجوز جلده مائة جلدة إذا كان محصناً ويجوز جلده أكثر من مائة؛ لأن حد الزاني المحصن الرجم. ويجوز جلد السارق أكثر من مائة جلدة؛ لأن حد السرقة هو القطع, وهكذا. وإذا لم يكن في جنس الجريمة حد مقرر جاز الوصول بالتعزير إلى الحد الذي يراه ولي الأمر (١) . فكأن الغرض من الحديث أن لا يعاقب على جريمة شرع في جنسها الحد بعقوبة الحد ما دامت شروط عقوبة الحد لم تتوفر حتى لا يسوى في العقاب بين الجريمة التامة والجريمة غير التامة, وبين الفعل الذي توفرت فيه شروط جريمة الحد والفعل الذي لم تتوفر فيه هذه الشروط. ولعل هذا الرأي الأخير هو أحسن الآراء من الوجهة العملية وأفضلها من الوجهة المنطقية.

ويرى بعض الفقهاء أن يكون أقل الجلد ثلاث جلدات؛ لأن هذا القدر أقل ما يزجر، ولكن البعض لا يرى جعل حد أدنى للجلد؛ لأن أثر الزجر يختلف باختلاف الناس (٢) .


(١) شرح فتح القدير ج٤ ص٢١٤, نهاية المحتاج ج٨ ص٢٠, المغني ج١٠ ص٣٤٧, الشرح الكبير ج١٠ ص٣٥٤.
(٢) شرح فتح القدير ج٤ ص٢١٥, المغني ج١٠ ص٣٤٨, بدائع الصنائع ج٧ ص٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>