للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يقل الحبس عن عام حتى لا يعاقب بحد في غير حد. وظاهر المذاهب الأخرى أنها لا تقيس الحبس على التغريب.

ويجوز أن يجمع بين الحبس والضرب إذا رُئي أن إحدى العقوبتين لا تكفي وحدها, ولكن الشافعيين يشترطون في هذه الحالة أن لا يوقع من إحدى العقوبتين إلا ما يعتبر مكملاً لما نقص من العقوبة الثانية, فإذا ضرب الجاني نصف الجلدات المقررة للتعزير حبس نصف المدة المقررة للحبس, وإذا ضرب ربع الجلدات حبس ثلاثة أرباع مدة الحبس, وهكذا. ولا يشترط الفقهاء الآخرون هذا الشرط فيجوز عندهم أن يضرب الجاني كل الجلدات المقررة للتعزير ثم يحبس بعد ذلك المدة التي تكفي لتأديبه وزجر غيره (١) .

ويشترط في الحبس كما يشترط في غيره من العقوبات أن يؤدى غالباً إلى إصلاح الجاني وتأديبه, فإن غلب على الظن أنه لن يؤدب الجاني أو لن يصلحه امتنع الحكم به ووجب الحكم بعقوبة أخرى.

وموقف الشريعة من عقوبة الحبس يختلف اختلافاً بينا عن موقف القوانين الوضعية، ذلك أن عقوبة الحبس في القاونين الوضعية هي عقوبة الأولى أو هي العقوبة الأساسية التي يعاقب بها في كل الجرائم تقريباً سواء كانت الجرائم خيرة أو بسيطة. أما في الشريعة الإسلامية فعقوبة الحبس ليست إلا عقوبة ثانوية لا يعاقب بها إلا على الجرائم البسيطة, وهي عقوبة اختيارية للقاضي أن يعاقب بها أو يتركها, وليس له أن يعاقب بها إلا إذا غلب على ظنه أنها مفيدة.

ويترتب على هذا لفرق بين الشريعة والقوانين أن يقل إلى حد كبير عدد المحبوسين في البلاد التي تطبق الشريعة الإسلامية, وأن يزيد عددهم إلى غير حد في البلاد التي تطبق القوانين الوضعية.


(١) تبصرة الحكام ج٢ ص٢٨٤, شرح فتح القدير ج٤ ص٢١٦, الأحكام السلطانية ص٢٥٦, المغني ج١٠ ص٣٤٨, أسنى المطالب ج٤ ص١٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>