إلى وضع عدد كبير من الرجال الأصحاء القادرين على العمل في المحبس والإنفاق عليهم دون أن يؤدوا عملاً مجدياً فتخسر الأمة من وجهين: تخسر المال الذي تنفقه على المحبوسين, وتخسر ما كان يمكن ينتجه هؤلاء لو لم يوضعوا في المحابس, ولكن هذه الخسائر تنتفي لو نفذ النظام الإسلامي؛ لأن الشريعة لا تعرف الحبس في جرائم الحدود والقصاص, وهي كما بينا تبلغ ثلثي (١) الجرائم عادة.
كما أن الشريعة تفضل في التعازير عقوبة الجلد على عقوبة الحبس, ولا تفضل عقوبة الحبس إلا إذا كان حبساً غير محدود المدة حيث يبقى المجرم بعيداً عن الجماعة مكفوفاً شره وأذاه حتى يموت, ولا يحكم هذا النوع من الحبس إلا في الجرائم الخطيرة أو على المجرمين العائدين. وإذا فرض أن عقوبة الجلد تطبق في نصف الجرائم الباقية كان الباقي الأخير من الجرائم حوالي ١٥} من مجموع الجرائم يقسم بين عقوبات الحبس والغرامة والتغريب وغير ذلك من عقوبات التعازير المتعددة.
والمفروض أن الجرائم التي يجلد فيها هي جرائم التعازير الخطيرة, فالجرائم التي تبقى أخيراً ليعاقب عليها بغير الجلد والحبس غير المحددة المدة هي جرائم تافهة في الغالب يكفي في عقابها النصح والتوبيخ والغرامة والحبس مع إيقاف التنفيذ, فتكون النتيجة أن لا يحبس فعلاً إلا في حوالي ٥} من مجموع الجرائم, وهذه نتيجة لا يمكن الوصول إليها إلا بتطبيق نظرية الشريعة الإسلامية في العقاب.
وإذا قلت الجرائم التي يحكم فيها بالحبس إلى هذا الحد فإن عدد المحبوسين يصبح قليلاً جداً, وبذلك تنحل مشكلة اختلاط المسجونين وما ينشأ عنها من فساد الأخلاق والصحة ونشر وسائل الإجرام, كما تقل جرائم العود التي لا يشجع عليها إلا وجود المحابس والاستخفاف بعقوبة الحبس.
وإذا علمنا أن الجرائم القليلة التي يحكم فيها بالحبس حبساً محدد المدة هي