جرائم تافهة من مجرمين غير خطرين تأكد لدينا أن الحبس في هذه الجرائم سيكون لمدد قليلة ولن يؤدي إلى نشر عدوى الإجرام ولا إلى فساد الأخلاق, وحتى إذا وجدت هذه المساوئ فلن يكون لها أثر خطير على المجرمين وعلى الأمن العام لقلة عدد المسجونين وقلة خطورتهم؛ ولأن المجرم لا يضمن أن يعاقب مرة ثانية بعقوبة الحبس. أما المجرمون الخطرون فهؤلاء تقضي عليهم الشريعة بالحبس غير المحدد المدة مهما كان نوع الجريمة المنسوب إليهم؛ لأن ارتكاب الجاني لأية جريمة مهما كانت بسيطة معناه أنه لا يزال على استعداد لإجرام وأن العقوبات السابقة لم تردعه.
ومن عيوب عقوبة الحبس في القوانين الوضعية أنه تقتل الشعور بالمسئولية في نفس المجرم, وتحبب إليه التعطل, وتزين له أن يعيش عالة على الناس يبتز أموالهم بالتهديد والتخويف.
وفي عقوبة الشريعة علاج هذا كله, بل إن علاجه في عقوبة الجلد وحدها؛ إذ الجلد يحط من قدر المجرم في عين نفسه فلا يعود لجريمته, كما يحط من قدره في عيون الناس فلا يهابونه ولا يخافون سلطانه ولا يكبر المجرم في عيونهم حتى يزاحم بسلطانه سلطان الحكومات.
ولو أننا تتبعنا ما ذكرناه من عيوب العقوبات الوضعية عيباً عيباً لوجدنا لكل عيب علاجه الناجع في تطبيق عقوبات الشريعة الإسلامية وتطبيق نظريتها في العقاب.
هذه هي العقوبات الوضعية, وهذا هو أثرها في إفساد الأخلاق والأمن والنظام, وتلك هي عقوبات الشريعة الإسلامية, وذاك هو أثرها في إصلاح ما أفسدته القوانين الوضعية, ولن نجد بعد ذلك من يستطيع أن يفضل القانون الوضعي على الشريعة الإسلامية؛ فإن وجدته فاذكر قوله تعالى:{فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج: ٤٦] .