٣٥- أما بقية الأئمة فيرون أن القتل عمد وشبه عمد وخطأ: وحجتهم فى شبه العمد حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "ألا إن فى قتيل السوط.." الحديث. فاقتضت منهم طبيعة هذا التقسيم أن يفرقوا بين نوعين من الأفعال المتعمدة هما: القتل العمد، والقتل شبه العمد، زقد استعانوا فى التفرقة بين هذين النوعين بمميز صالح للتمييز هو قصد القتل، فإذا قصد الجانى القتل فالفعل قتل عمد، وإذا لم يقصده فهو قتل شبه عمد، لكنهم وجدوا أن القصد أمر داخلى يتعلق بنية الجانى وقلما يطلع الآخرون عليه، وأن وجوده يكون دائمًا مشكوكًا فيه ما لم يدل عليه دليل خارجى فإذا وجد هذا الدليل الخارجى زال الشك ومن ثم رأوا أن قيام قصد القتل فى نية الجانى لا يكفى وحده لثبوته واشترطوا لاعتبار القصد ثابتًا أن يكون من ثبوته دائمًا عن طريق الوسيلة أو الآلة التى ارتكبت بها الجريمة لأنها تعبر عن نية الجانب وقصده من الجريمة، ولأنها هى الدليل الخارجى الظاهر على نية الجانى.
ولما أرادوا تحديد هذا الدليل الخارجى اختلفوا: فرأى الشافعى وأحمد أن الدليل على قصد القتل هو استعمال آلة أو وسيلة تقتل غالبًا. ورأى أبو حنيفة أن الدليل الخارجى على قصد القتل هو استعمال آله أو وسيلة تقتل غالبًا على أن تكون الآلة والوسيلة مما يعد للقتل.
٣٦- كيف يثبت قصد القتل؟: ويخلص مما سبق أن قصد القتل يثبت من وجهين:
أولاً: عن طريق الآلة المستعملة فى الجريمة. ثانيًا: عن طريق الأدلة العادية كالاعتراف، وشهادة الشهود. ولكن لا يمكن أن يعتبر القصد ثابتًا بأى حال ما لم يثبت قصد القتل عن الطريق الأول، لأن كل إثبات يجئ عن الطريق الثانى يعتبر مشكوكًا فيه حتى يزول الشك بثبوت القصد عن طريق الآلة أو الوسيلة المستعملة فى القتل.
واعتبار القصد الجنائى ثابتًا باستعمال آلة قاتلة ليس قرينة قاطعة ولا دليلاً غير قابل للنفى، فيجوز للجانى أن يثبت أنه لم يستعمل الآلة القاتلة بقصد القتل، فإذا استطاع إثبات دفاعه انتفى وجود قصد القتل واعتبر الفعل قتلاً شبه عمد.